الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم بين تعالى أن إمساك الجود عما أمسك عنه أو الزيادة والنقيصة في إفاضة رحمته إنما يتبع أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه وما يمكنه أن يستوفيه من ذلك قال تعالى فيما ضربه من المثل: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} [الرعد: 17] وقال: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} [الحجر: 21] فهو تعالى إنما يعطى على قدر ما يستحقه الشيء وعلى ما يعلم من حاله قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14].ومن المعلوم أن النعمة والنقمة والبلاء والرخاء بالنسبة إلى كل شيء ما يناسب خصوص حاله كما يبينه قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148] فإنما يولى كل شيء ويطلب وجهته الخاصة به وغايته التي تناسب حاله.ومن هنا يمكنك أن تحدس أن السراء والضراء والنعمة والبلاء بالنسبة إلى هذا الإنسان الذي يعيش في ظرف الاختيار في تعليم القرآن أمور مرتبطة باختياره فإنه واقع في صراط ينتهى به بحسن السلوك وعدمه إلى سعادته وشقائه كل ذلك من سنخ ما لاختياره فيه مدخل.والقرآن الكريم يصدق هذا الحدس قال تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الأنفال: 53] فلما في أنفسهم من النيات الطاهرة والأعمال الصالحة دخل في النعمة التي خصوا بها فإذا غيروا غير الله بإمساك رحمته وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} [الشورى: 30] فلأعمالهم تأثير في ما ينزل بهم من النوازل ويصيبهم من المصائب والله يعفو عن كثير منها.وقال تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [الآية النساء: 79].وإياك أن تظن أن الله سبحانه حين أوحى هذه الآية إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نسى الحقيقة الباهرة التي أبانها بقوله: {الله خالق كل شيء} [الزمر- 62] وقوله: {الذى أحسن كل شيء خلقه} [السجدة: 7] فعد كل شيء مخلوقا لنفسه حسنا في نفسه وقد قال: {وما كان ربك نسيا} [مريم: 64] وقال: {لا يضل ربى ولا ينسى} [طه: 52] فمعنى قوله: {ما أصابك من حسنة} الآية أن ما أصابك من حسنة- وكل ما أصابك حسنة- فمن الله وما أصابك من سيئة فهى سيئة بالنسبة إليك حيث لا يلائم ما تقصده وتشتهيه وإن كانت في نفسها حسنة فإنما جرتها إليك نفسك باختيارها السيئ واستدعتها كذلك من الله فالله أجل من أن يبدأك بشر أو ضر.والآية كما تقدم وإن كانت خصت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخطاب لكن المعنى عام للجميع وبعبارة أخرى هذه (الآية) كالآيتين الأخريين {ذلك بأن الله لم يك مغيرا} الآية وما أصابكم من مصيبة (الآية) متكفلة للخطاب الاجتماعي كتكفلها للخطاب الفردى فإن للمجتمع الإنساني كينونة إنسانية وإرادة واختيارا غير ما للفرد من ذلك.فالمجتمع ذو كينونة يستهلك فيها الماضون والغابرون من أفراده ويؤاخذ متأخروهم بسيئآت المتقدمين والأموات بسيئات الأحياء والفرد غير المقدم بذنب المقترفين للذنوب وهكذا وليس يصح ذلك في الفرد بحسب حكمه في نفسه أبدا وقد تقدم شطر من هذا الكلام في بحث أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصيب في غزوة أحد في وجهه وثناياه وأصيب المسلمون بما أصيبوا وهو صلى الله عليه وآله وسلم نبى معصوم إن أسند ما أصيب به الى مجتمعه وقد خالفوا أمر الله ورسوله كان ذلك مصيبة سيئة أصابته بما كسبت أيدى مجتمعة وهو فيهم وإن أسند إلى شخصه الشريف كان ذلك محنة إلهية أصابته في سبيل الله وفي طريق دعوته الطاهرة إلى الله على بصيرة فإنما هي نعمة رافعة للدرجات.وكذا كل ما أصاب قوما من السيئات إنما تستند إلى أعمالهم على ما يراه القرآن ولا يرى إلا الحق وأما ما أصابهم من الحسنات فمن الله سبحانه.نعم هاهنا آيات أخر ربما نسبت إليهم الحسنات بعض النسبة كقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء} [الأعراف: 96] وقوله: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24] وقوله: {وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} [الأنبياء- 86] والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.إلا أن الله سبحانه يذكر في كلامه أن شيئا من خلقه لا يقدر على شيء مما يقصده من الغاية ولا يهتدى إلى خير إلا بإقدار الله وهدايته قال تعالى: {الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه- 50] وقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا} [النور- 21] ويتبين بهاتين الآيتين وما تقدم معنى آخر لكون الحسنات لله عز اسمه وهو أن الإنسان لا يملك حسنة إلا بتمليك من الله وإيصال منه فالحسنات كلها لله والسيئات للإنسان وبه يظهر معنى قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} الآية.فلله سبحانه الحسنات بما أن كل حسن مخلوق له والخلق والحسن لا ينفكان، وله الحسنات بما أنها خيرات وبيده الخير لا يملكه غيره إلا بتمليكه ولا ينسب إليه شيء من السيئآت. اهـ.
.قال ابن عبد ربه: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليه: ما عندك من ذِكر الموت أبا حَفْص؟ قال: أُمْسي فما أرى أنّي أُصْبح، وأُصبحِ فما أَرَى أني أُمْسي؟ قال: الأمر أَوْشك من ذلك أبا حَفْص، أما إنّه يَخرُج عنّي نفسي فما أَرَى أنه يعود إليّ.وقال عبد بن شَدَّاد: أرى داعي الموت لا يُقْلِع، وأرى مَن مَضى لا يَرْجع، ومن بَقي فإليه يَنْزع. وقال الحسن: ابن آدم، إنما أنت عَدَد، فإذَا مضى يومُك فقد مَضى بعضُك. وقال أبو العتاهية:وقال عمر بن عبد العزيز: مَن أكثر من ذِكر الموت اكتفي باليسير، ومَنْ عَلِم أَنّ الكلام عمل قلِّ كلامُه إلاّ فيما يَنفع. وكان أبو الدَّرداء إذا رأى جِنَازة، قال: اغدي فإنا رائحون، أو روحي فإنا غادون. وقال رجل للحسن: مات فلانٌ فجأة، فقال: لو لم يَمُتْ فجأةً لَمَرِض فجأة ثم مات. وقال يعقوب صلواتُ الله عليه للبَشِير الذي أتاه بقمِيص يوسف: ما أَدْرِي ما أُثيبك به، ولكن هوَن الله عليك سكراتِ الموت.وقال أبو عمرو بن العلاء: لقد جَلستُ إلى جَرِير وهو يُملي على كاتبه: وَدِّعْ أُمَامَةَ حَان منك رَحِيلُ ثم طلعت جِنَازَةٌ فَأمْسك وقال: شَيَّبَتْني هذه الجنائز؟ قلت: فَلِم تَسُبّ الناسَ؟ قال: يَبْدَءوني ثم لا أعفو، وأَعْتدي ولا أَبْتَدي. ثم أنشد يقول: وقالوا: مَن جعل الموتَ بين عَيْنيه لَهَا عما في يَدَيه. وقالوا: اتخذ نوحٌ بيتًا من خُصّ؟ فقيل له: لو بَنيتَ ما هو أحسن من هذا؟ قال: هذا كثيرٌ لمَن يموت.وأحكم بيتٍ قالْته العربُ في وَصْف الموت بيتُ أُمية بن أبي الصَّلت، حيث يقول: وقال إصْبَغ بن الفَرَج: كان بنَجْران عابد يَصِيح في كلِّ يوم صَيحتين بهذه الأبيات: قال آخر: وقال صريع الغواني: وقال الصَّلَتان العَبْدِيّ: وكان سُفيان بن عُيينة يَسْتحسن قولَ عَدِيّ بن زَيْد: وقال أبو العتاهية في وَصْف الموت: وقال: وله أيضًا: ومن قولنا فيٍ ذكر الموت: ومن قولنا فيه:
|