الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
.115- تغريب: 1- التعريف:التَّغْرِيبُ في اللغة: الإبعاد عن الوطن، قال الجوهري: التَّغْرِيب: النفي عن البلد. وقال الخليل: والغُرْبَةُ: الاغتِرابُ من الوَطَن. وغَرَبَ فلانٌ عَنّا يَغْرُبُ غَرْباً أي تَنَحَّى، وأَغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه أي نَحَّيْتُه. وفي الاصطلاح: هو النفي من البلد الذي وقعت فيه الفاحشة. 2- مشروعية التغريب: التغريب يكون عقوبة في حد الزنى، وحد الحرابة، كما يكون تعزيراً. * أولا: التغريب في حد الزنى: اتفق الفقهاء على مشروعية التغريب في الزنى, في الجملة على خلاف بينهم في اعتباره من حد الزنى أو عدم اعتباره، فعند جمهور الفقهاء أن من حد الزاني- إن كان بكرا- التغريب لمدة سنة لمسافة قصر فأكثر, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة, والثيب بالثيب جلد مائة والرجم». ولما روى أبو هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته, وأني افتديت منه بمائة شاة ووليدة, فسألت رجالا من أهل العلم، فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام, والرجم على امرأة هذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، على ابنك جلد مائة وتغريب عام». وجلد ابنه مائة وغربه عاما. ثم قال لأنيس الأسلمي: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا, فإن اعترفت فارجمها, فاعترفت فرجمها». ولأن الخلفاء الراشدين جمعوا بين الجلد والتغريب, ولم يعرف لهم مخالف, فكان كالإجماع. * ثانيا: التغريب في حد الحرابة: ورد النفي في حد الحرابة في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}. (انظر: مصطلح: حرابة). * ثالثا: التغريب على سبيل التعزير: اتفق الفقهاء على مشروعية التعزير بالتغريب؛ لما ثبت من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالنفي تعزيرا في شأن المخنثين. ولنفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال وأخذ به مالا منه. 3- مكان وكيفية التغريب: اتفق القائلون بالتغريب على وجوبه على الرجل الزاني الحر غير المحصن لمدة عام. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام». وأما المرأة غير المحصنة فتغرب، ويغرب معها زوج أو محرم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم» رواه البخاري. وفي الصحيحين: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم». ولأن القصد تأديبها, والزانية إذا خرجت وحدها هتكت جلباب الحياء. وذهب المالكية إلى أنه لا تغريب على المرأة, ولو مع محرم أو زوج ولو رضيت بذلك, على المعتمد عندهم. والمعمول به في محاكم المملكة أنه إذا حكم القاضي بتغريب الزاني البكر فإن تحديد مكان وكيفية التغريب يترك للجهات التنفيذية المختصة، ورد بيان ذلك في تعميم وزير العدل رقم 13/ت/1088 في 19/7/1418هـ حيث جاء النص التالي: (تلقينا خطاب معالي رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم 1/1389 في 9/7/1418هـ ومشفوعه قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة رقم 311/45 وتاريخ 18/6/1418هـ المتضمن أن مجلس القضاء الأعلى بناء على الصلاحيات المخولة له بموجب نظام القضاء، وبعد الاطلاع على قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة رقم 325/45 في 10/4/1417هـ المتضمن أن المجلس يرى الاكتفاء بسجن الزاني البكر متى ثبت عليه الحد بدلا من التغريب؛ وبإعادة تأمل الموضوع والرجوع إلى الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في التغريب، وأقوال الفقهاء في ذلك فإن المجلس يقرر بأن على القضاة إذا نظروا في قضية زنا البكر، وثبت موجب الحد أن يحكموا بحد زنى البكر، وهو الجلد والتغريب، ويترك مكان التغريب وكيفيته للجهات المعنية بذلك). .116- تفتيش: 1- التعريف:التفتيش في اللغة: هو الاستقصاء في الطلب والبحث، يقال: فتَّش الرجلُ الشيءَ، أي تصفحه، وفتش عنه، أي سأل واستقصى في الطلب. وفي اصطلاح الفقهاء: لا يخرج معنى التفتيش عن البحث والاستقصاء. وفي المصطلح الجنائي: هو البحث لضبط أدلة الجريمة وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من أجل إثباتها أو إسنادها للمتهم سواء كان محله شيئا أو مكانا أو شخصا. 2- مشروعية التفتيش في الشريعة الإسلامية: حرمت الشريعة الإسلامية دخول المساكن، أو حتى النظر إليها من غير إذن ساكنيها وذلك من أجل حماية المساكن وحفظ كرامة الأشخاص، وصيانة للأعراض والأموال، وقد وردت نصوص شرعية كثيرة في ذلك، ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور 27-28]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية ولا قصاص» رواه مسلم. وبناء على هذا الأصل العظيم في الشريعة الإسلامية فإنه لا يجوز لآحاد الناس دخول المساكن بغير إذن أهلها، ولا يجوز لهم تفتيشها، ولا تفتيش الأشخاص لأي سبب من الأسباب، لكن للسلطة العامة عند الضرورة ومقتضى المصلحة العامة دخول المنازل وتفتيشها، وتفتيش الأشخاص، بشرط أن يأذن ولي الأمر، أو من يفوضه؛ وقد وردت بعض الأحاديث، والآثار وأقوال العلماء الدالة على مشروعية التفتيش للمصلحة العامة ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين: «أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة, فقتل مقاتلتهم, وسبى ذراريهم فكان يُكشف عن مؤتزر المراهقين، فمن أنبت منهم قتل, ومن لم ينبت جعل في الذراري». وما رواه الطبراني من حديث أسلم الأنصاري قال: (جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام, فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه,وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين). ضعفه الحافظ ابن حجر. وما ورد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أنه قال للظعينة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فأنكرته: (لتخرجن الكتاب أو لأجردنك) فلما رأت الجد أخرجته من عقاصها. قال ابن القيم رحمه الله: (وعلى هذا: إذا ادعى الخصم الفلس, وأنه لا شيء معه, فقال المدعي للحاكم: المال معه وسأل تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك, ليصل صاحب الحق إلى حقه؛ وقد كان الأسرى من قريظة يدعون عدم البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مآزرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمون بذلك البالغ من غيره). وقال الحطاب: (حكى ابن سهل أنه شاهد الفتوى بطليطلة إذا ادعى الطالب تفتيش مسكن المطلوب عند ادعائه العدم، فالحق أن يفتش مسكنه فما ألفى فيه من متاع الرجل بيع عليه وأنصف الطالب منه وأنه أنكر ذلك على أكثرهم فلم يرجعوا عنه؛ وأنه سأل عن ذلك ابن عات فأنكره وأنكر أيضا ابن مالك وقال: أرأيت إن كان الذي يلفى ببيته ودائع قال: وأعلمت ابن القطان بعمل أهل طليطلة فلم ينكره وأنا أراه حسنا فيمن ظاهره الإلداد والمطل). 3- أنواع التفتيش: التفتيش له أنواع متعددة منها: * أولا: التفتيش الوقائي: وهو إجراء لا يتعلق بالتحقيق، وإنما هو إجراء المقصود منه تجريد الشخص مما يحمله من أسلحة وأدوات قد يستخدمها في الاعتداء على نفسه أو على غيره. * ثانيا: التفتيش الإداري: وهذا النوع من التفتيش ليس له علاقة بجريمة أو بأدلة معينة وإنما هو تفتيش تقتضيه الظروف مثل تفتيش المساجين قبل دخولهم مقر السجن، أو تفتيش مأمور الجمارك لأمتعة المسافرين أو القادمين داخل الدوائر الجمركية، ومثل تفتيش العاملين في المصانع والشركات عند الدخول والانصراف، فإذا أسفر عن ضبط أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تكون جريمة تهريب، أو تكشف الحقيقة في جريمة وقعت، نشأت بذلك حالة تلبس بالجريمة، وكان التفتيش والضبط بشأنها صحيحا. * ثالثا: التفتيش بحكم الضرورة: وهذا النوع من التفتيش تفرضه الضرورة للقيام به، كما في الحالات التالية: 1- قيام رجل الإسعاف بالبحث في ملابس المصاب أو المغمى عليه للتعرف على شخصيته، وحفظ متعلقاته الشخصية، أو الأشياء ذات القيمة قبل نقله إلى المستشفى. 2- إذا تطلب الأمر تفتيش سيارة ذات لون وأوصاف معينة، واتضح أن من بين السيارات التي ينطبق عليها الأمر بالتفتيش، سيارة بحوزة قائدها مواد ممنوعة مثل المخدرات، أو أسلحة غير مرخصة ففي هذه الحالة التفتيش صحيح، والأدلة حتمية على صاحب السيارة حتى لو لم يكن له علاقة بالجريمة المعمم عنها، والتي هي موضوع التفتيش. * رابعا: التفتيش الجنائي: وهذا التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، الذي يتم بناء على جريمة قد وقعت بالفعل ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه، نصت على ذلك المادة (80) من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: (تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.وللمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام). والهدف من هذا النوع من التفتيش جملة أمور منها: 1- ضبط الآثار المتخلفة عن ارتكاب الجريمة، مثل الملابس الملوثة بالدماء. 2- ضبط الأشياء المستخدمة في الجريمة، كالأسلحة، والعصي، والطلقات، ونحو ذلك. |