الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
في ذلك أن يفتتح الكتاب بلفظ: كتابي والأمر على كذا وكذا ويؤتى بالتعبير عن المكتـوب عنـه فـي أثنـاء الكتـاب بلفـظ الإفـراد دون الجمـع وهنـا يفخـم شـأن المكتـوب إليه فيعبر عنه بمولاي وسيدي ومولانا وسيدنا ونحو ذلك. ثم هو على مراتب: المرتبة الأولى أن يكون المكتوب إليه ملكاً أيضاً فيخاطبه على قدر مقامه بالسيادة أو غيرها مع الدعاء بما يناسبه من طول البقاء ونحوه ثم تـارة يقـع التعـرض فيهـا بذكـر الطلـب وبرفـع الحـال التـي هو عليها وتارة لا يقع التعرض إلى ذلك كما كتـب أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه إلى عضد الدولة بن بويه في طلب الصلح وقد جرى بينهما اختلافٌ. كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك الجليـل المنصـور عضـد الدولـة مـن العسكـر بظاهـر سـوق الأهواز ومولانا أمير المؤمنيـن مشمـولٌ بالكفايـة والتأييـد مخصـوصٌ بالعـز والتمكيـن يجـري علـى أفضـل مـا عـود الله خلفاءه في أرضه وأحباءه في رعاية خلقه من التكفل لهم بالإظهار والإدالة وتوليم بالإعلاء والإنافة وأنا مستظلٌ بكنف طاعته مستكنٌ في حرم مشايعته شاكرٌ لله على بلائـه مثـن عليـه بآلائـه راغـبٌ إليـه أن يعصمنـي فـي مولانا الملك الجليل المنصور وفي نفسي من كل مكـروه ومستهجـن ويوفقنـي وإيـاه لكـل مستحـبٍّ ومستحسـن ويعيذنـا مـن المقـام على الفرقة والزوال عن سنن الألفة وهو المحمود رب العالمين. والحقـوق بيـن مولانـا الملـك وبينـي فيمـا قررتـه منـا اللحمـة وأكدتـه العصمـة وأثلتـه الأسلاف ونشأت عليه الأخلاف حقيقةٌ بأن لا تتسرع إليها دواعي النقض ولا تتمكن منها ملمات النسخ ولا يتـم للشيطـان عليها ما يحاوله بنزغه ويتوصل إليه بكيده وأن تنزاح العوارض عنها وتضمحل دون التأثير فيها وأن تعتقد جميعاً أن بتقارضنا رعايتها ثبات النعم المتصلة بها فلا يستنكف مستنكفٌ منا أن يخفض جناحه لأخيه ويغض من جماحه في مقاربة ذويه إذ كان ذلك حامياً له في أهول الأحوال مما هو أشد خفضاً وأبلغ رضاً وأسوأ مغبة وأنكر عاقبة. وقـد علـم مولانـا الملـك المنصـور بالثاقـب مـن تأملـه والصحيح من تمييزه وتدبره أن دولتنا حرسهـا اللـه مبنيـةٌ علـى أس الترافـد والتعاضـد موضوعـةٌ علـى قاعـدة التـوازر والتظافـر وأن مشيختنا وسادتنا رضوان الله عليهم جعلوا الائتلاف رتاجاً بين الأعداء وبينها ثم إن مفتاحه هو الخلاف المتطرق لهم عليهم ولو حدث التنافر في أيام أضعفنا منة وأوهبنا عقدة وأحدثنا سناً وأقلنا حنكة لكان ذلك أقل في التعجب من أن يعرض في رياسة أحصفنا رأياً وأسدنا تدبيـراً وأوفانـا حلمـاً وأكملنـا حزمـاً. وقـد تكـررت أيـد اللـه مولانـا علـى ذات بيننـا قـوارص احتقرناها حتى امتلأ الإناء من قطرها واستقينا منها على العظيمة التي لا ثواء بعدها وما أعود على نفسي بلوم في ابتداء قبيح ابتدأته ولا بمركب شنيع ركبته ولا حق اطرحته ولا استصلاح تركته ولا أدفع مع ذلك أنني قابلت لما تضاعف بالأقل الأيسر وجازيت لما ترادف بالأدون الأنزر إلا أني ما آثرت كثيره ولا قليله ولا اخترت دقيقه ولا جليله لكنه لم يصلح في السيرة وقد أشفينا على التزاحف للحرب والتدالف للطعن والضرب أن استعمل ما كنت عليه مـن توفيـة الحقـوق وإقامـة الرسـوم فيرانـي الأوليـاء الذين بهم تحمى البيضة وتحاط الحوزة متناقض الفعلين متنافي المذهبين وكنت في ذلك الفعل الذميم والـرأي الـذي ليـس بمستقيـم مقتديـاً لا مبتديـاً ومتبعـاً لا مبتدعـاً. ولـو وقـف بـي مولانـا الملـك الجليـل قبـل أواخـر الجفاء وعطف معي إلى أول شرائع الصفاء لكانت عريكتي عليه ألين وطريقه إلى ارتباط طاعتي وولائي أقصد لكنه أيده الله أقام على ما لا يليق به من مجانبتي ومغالطتي وبث الحبائل لي ودس المكايد إلي ومتابعته الجواسيس والكتب إلى الأولياء في عسكري الذين هم أولياؤه إن أنصف وعدل ونصحاؤه إن أحسن وأجمل. وكان الأشبه بمولانا لو كنت الغالط عليه والباعث لهذه الأسباب إليه أن يسوسني سياسـة الحكيم ويستخلصني استخلاص الكريم إذ كنا لم نقدمه معشر أهل البيت علينا ونوله أزمة أمورنا إلا ليأسوا جروحنا ويجبر كسورنا ويتعهـد مسيئنـا ويستميـل نافرنـا فأمـا أن يحـاول منـا استباحة الحريم وإركاب المركب العظيم فكيـف يجـوز أن تـدوم علـى هـذا طاعـة أو تصلـح عليه جماعة أو يغضي عليه مغض أو يصفح عنه صافح وكان من أشد هذه الجفوة وأفظعها وأقساها وأغلظها أن عاد رسولي من حضرته خالياً من جواب بما كتبت إليه وما أعرف له أيده الله في ذلك عذراً يبسطه ولا سلك منه السبيل التي تشبهه وبالله جهد القسم ومنتهاها وأجلهـا وأوفاهـا لقـد سـار مولانـا أميـر المؤمنيـن أطـال اللـه بقـاءه وسرت إلى هذا الموضع واعتقادنـا لا يجـاوز حفـظ الحـدود والأطـراف وحياطـة النهايـات والأكنـاف والأغلـب علينـا أن مولانا الملك أدام الله تأييده لا يتجاوز معي المعاتبة اللطيفة والمخاطبة الجميلة والاستدعاء مني لما يسوغ له أن يطلبه ولي أن أبذله من تعفية السالف وإصلاح المستأنف وتوفية للحق في رتبة لا أضن بها عليه ولا أستكثر النزول عنها له وتقرير أصل بيننا يكون أيده الله به معقلاً لي وموئلاً وأكون نائباً له ومظفـراً إلـى أن بـدأ الأصحـاب بالعيـث فـي هـذه البلـاد وألحـوا عليهـا بالغارات واعتمدوها بالنكايات وكان هذا كالرشاش الـذي يـؤذن بالانسكـاب والوميـض الـذي يوعـد بالاضطـرام وأوجبـت قبـل المقابلة عليه والشروع في مثله في حق مولانا الملك الجليل الذي لا أدع أن أحفظ منه ما دعاني إلى إضاعته وأتمسك بما اضطرني إلى مفارقته أن أقدم أمام الالتقاء على الحرب التي هي سجال كما يعلم إبلاغ نفسي عذرها وإعطاء المقادة منها داعياً له إلى طاعة الخالق والإمام وصلة اللحـم والأرحـام وحقـن الدمـاء والمهـج وتسكيـن الدهمـاء والرهج وثني العنان عن المورد الذي لا يدري وارده كيف يصدر عنه ولا يثق بالسلامة منه وتعريفـي مـا يريـده مني لأتبعه ما لم يكن ثالماً لي وعائداً بالوهن علي والله الشاهد على شهادةٍ قد علم إخلاصي فيها وسماحة ضميري بها وأنني أكره أن أنال منه كما أكره أن ينال منـي وأتألم من أن أظهر عليه كما أتألم أن يظهر علي وأحب أن يرجع عني وأرجع عنه وقد التقت قلوبنا وتألف على الجميل شملنا وطرفت أعين الأعادي عنا وانحسمت مطامعهم فينا فـإن فعل ذلك فحقيقٌ به الفضل وهو لعمر الله له أهل ولا عذر له في أن لا يفعله وقد وسع الله ماله ووفر حاله وأغناه عما يلتمسه الصعلوك ويخاطر له السبروت وجعله في جانـب الغنـى والثروة والحزم والحيطة وإن أبى فكتابي هذا حجةٌ عند الله الذي تستنزل منه المعونة وعند الناس الذين تلتمس منهم العصبية وقد أنفذت به إسفندار بن خسرويه وإبراهيم ابن كالـي وهما ثقتاي وأميناي ليؤدياه ويشافهاه عني بمثل متضمنه ونجواه والله يعيذنا في مولانا الملك الجليل من أن يختار إلا أولى الأمرين وأليقهما بدينه ومروءته وهو ولي ما يراه في الأمر بتعجيل الإجابة بما أعمل عليه وأنتهي بالتدبير إليه إن شاء الله تعالى. الضرب الثالث أن تكون المكاتبة عمن دون الملك إليه ورسمهم فيه أن يبتدأ بلفظ كتابي والدعاء للمكتوب إليه بطول البقاء ونحو ذلك ويخاطب في أول الكتاب بمولانا الملك السيد الأجل وفي أثناء الكتاب بالسيد والملك ونحو ذلك ويعبر عن المكتوب عنه بلفظ الإفراد: كمـا كتـب أبـو إسحـاق الصبـي عـن الأميـر نصـر خـوزة فيـروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة وزين الملة والسلامة لي شاملةٌ بمـا مـده اللـه تعالـى علـي مـن ظلـه الظليل ورأيه الحسن الجميل والحمد لله رب العالمين. وقد تأدى إلى مولانا الملك السيد من أخباري ما أستغني به عن تطويل المفصل وأكتفي به عن إجمال المجمل وذلك أن أسفار بن كردويه وعبد العزيز بن برسف الكافرين لنعماء الله ونعمـة الملـك السعيد عضد الدولة أبينا رحمـة اللـه عليـه قبلنـا الغامطيـن لمـا نظاهـر عليهمـا مـن إحساننـا وإفضالنا هجما علينا بخدعة تظافرا عليها وشبهة جذباني إليها وأبرمـا كذبـاً مـن القـول لـم أظنهما يقدمان على مثله ولا يتفوهان باطلاً به فأصغيت إليهما إصغاء الواثق بهما لا المنخدع لهما فلما أنزلاني على حكمهما وأوثقاني بحيث لا أستطيع مخالفتهما ظهرت الحيلة ووضحت الغيلة وفاتني الاختبار وغلبني المقـدار فجـرى مـا كانـت عاقبتـه خذلـان اللـه إياهمـا وإنزالـه بأسه ونقمته عليهما وخلاصي بسلامة الصدر واتضاح الغدر من حبائلهما المنصوبة وأشراكهمـا المبثوثـة. ولمـا حصلـت فـي كنف الملك السيد صمصام الدولة أقالني العثرة وقبل مني المعذرة وأحلني من داره وحماه بحيث لـم أعـدم عـادة ولا انقطعـت عنـي مـادة وكانـت الحـال توجب مقامي فيها إلى أن تتعفى آثار الفتنة التي أثارها ذانكما الخبيثان الجانيان. ثم ورد فلان في الرسالة وتمم الله على يده عقد الصلح والمسالمة فأخرجت عن الاحتجاب إلى الظهور وعن الاحتجار إلى البروز وأنزلت من الدار المعمورة في جانب يصل إلي منه سيب وصوله على العموم دون الخصوص وعاملني الملك السيد صمصام الدولة بما يليق بفضله متبعـاً فـي ذلـك مقاطعة السيف بينه وبيني وطاعة مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة في أمري وجدد عندي من الإنعام والتوسعـة والإيثـار والتكرمـة آخـراً مـا شفـع تلـك الشفقـة أولاً ولقينـي فلـان دفعـات وشافهنـي مـرات وتحمـل عني إلى مولانا الملك موالاتي الشكر كثيراً واعتداداً طويلاً عريضاً ودعاءً الله يسمع مرفوعه ويجيب مسموعه بمنه وقدرته وحوله وقوته. والآن فإذ قد جمع الله الكلمة ووكد الألفة وحرس النعمة وحصن الدولة وأخرج عنها من كان يشب الفتنة ويسدي وينير في الفرقة فإني واثقٌ بالله جل وعز وبما تترقى الحال إليه في غاية محبوبي ونهاية مطلوبي وأقاصي ما تبلغه أمنيتي وتسمو إليه همتي وتقتضيه أخوتي وعصمتي ولله المشيئة ومنه المعونة فـإن رأى مولانـا الملـك السيـد أن يسكـن إلـى سكونـي ويطمئـن إلـى طمأنينتي ويجري إلي غاية فضله وطوله في الأمر الذي أحسـن فيـه وأجمـل ليشملنـا إنعامـه ويتظاهر علينا امتنانه وأستوفي بقية حظـي مـن ثمـرة ذلـك وعائدتـه وجـدواه وفائدتـه ويأمـر بتشريفي بكتابه وتأهيلي بجليل خطابه وتصريفي بين أمره ونهيه فعل إن شاء الله تعالى. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطرف العاشر في الكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية مكاتبات ملوك الديار المصرية ولها حالتان الحالة الأولى ما كان الأمر عليه قبل دولة الخلفاء الفاطميين بها في الدولة الأخشيدية والطولونية وما قبلهما " مكاتبات ما قبل دولة الخلفاء الفاطميين والـذي وقفـت عليـه مـن رسـم المكاتبـة عنهـم أن تفتتـح بلفـظ: " مـن فلـان إلـى فلـان ". كمـا كتب ابن عبدكان عن أحمـد بـن طولـون إلـى ابنـه العبـاس حيـن عصـى " عليـه " بالإسكندريـة منـذراً لـه وموبخـاً على فعله وهو: " من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين إلى الظالم لنفسه العاصي لربه الملم بذنبه المفسد لكسبه العادي لطوره الجاهل لقدره الناكص على عقبه المركوس في فتنته المبخوس " مـن " حظ دنياه وآخرته "!. وأحمد الله الذي لا إله إلا هو حمد معترف له بالبلاء الجميل والطـول الجليـل وأسالـه مسألـة مخلص في رجائه مجتهد في دعائه أن يصلي على محمد المصطفى وأمينه المرتضى ورسوله المجتبى صلى الله عليه وسلم. أما بعد فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها والنملة يكون حتفها في جناحيها وستعلم - هبلتك الهوابل! أيها الأحمق الجاهل الذي ثنى على الغي عطفه واغتر بضجـاج المواكـب خلفه - أي موردة هلكة بإذن الله توردتٍ إذ على الله جل وعز تمردت وشردت فإنه تبارك وتعالـى قـد ضـرب لـك فـي كتابـه مثـلاً: " قريـة كانـت آمنـة مطمئنـة يأتيهـا رزقهـا رغـداً مـن كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ". وإنا كنا نقربك إلينا وننسبك إلى بيوتنا طمعاً في إنابتك وتأميلاً لفيئتك فلما طال في الغي انهماكك وفي غمرة الجهل ارتباكك ولم نر الموعظة تلين كبدك ولا التذكير يقيم أودك لم تكن لهذه النسبة أهلاً ولا لإضافتك إلينا موضعاً ومحلاً بل لا نكنى بأبي العباس إلا تكرهاً وطمعاً بأن يهب الله منك خلفاً نقلده اسمك ونكنى به دونك ونعدك كنت نسياً منسياً ولم تك شيئاً مقضياً فانظر ولا نظر بك إلى عار نسبته تقلدت وسخط من قبلنا تعرضت واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلك والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك والعساكر بحمد اله قد أتتك كالسيل في الليل تؤذنك بحرب وبويل فإنا نقسم ونرجو أن لا نجور ونظلم أن لا نثني عنك عنانـا ولا نؤثـر علـى شانـك شانـا ولا تتوقـل ذروة جبـل ولا تلـج بطـن واد إلا جعلنـاك بحـول الله وقوته فيهما وطلبناك حيث أممت منهما منفقين فيك كل مال خطير ومستصغرين بسببك كل خطب جليل حتى تستمر من طعم العيش ما استحليت وتستدفع من البلايا ما استدعيت حين لا دافع بحول الله عنك ولا مزحزح لنا عن ساحتك وتعرف من قدر الرخاء ما جهلت وتـود أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عجلت ولا رأي من أضلك من غواتك قبلت فحينئذ يتفرى لك الليل عن صبحه ويسفر لك الحق عن محضه فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما وتسمع بأذنين لا وقر فيهما وتعلم أنك كنت متمسكاً بحبائل غرور متمادياً في مقابح أمور: من عقوق لا ينام طالبه وبغي لا ينجو هاربه وغدر لا ينتعش صريعه وكفران لا يودى قتيله وتقف على سوء رويتـك وعظـم جريرتـك فـي تركـك قبـول الأمـان إذ هـو لـك مبـذول وأنـت عليه محمول وإذ السيف عنك مغمود وباب التوبة إليك مفتوح وتتلهف والتلهف غير نافعك إلا أن تكون أجبت إليه مسرعاً وانقدت إليه منتصحاً. وإن مما زاد في ذنوبك عندي ما ورد به كتابك علي بعد نفوذي على الفسطاط من التمويهات والأعاليل والعدات بالأباطيل من مصيرك بزعمك إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علي حتى ملت إلى الإسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة واستظهاراً عليك بالحجة وقطعاً لمن عسى أن يتعلـق بـه معـذرة علـم بـأن الأنـار غير صادة ولا أنه خاجني شك ولا عارضني ريب في أنك إنما أردت النزوح والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التي لعل قصـدك إياهـا يوديـك ولعل مصيرك إليها يكفينيك ويبلغ إلي أكثر من الإرادة فيك لأنك إن شاء الله لا تقصد موضعاً إلا تلوتك ولا تأتي بلداً إلا قفوتك ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز وجل في جد حبلها وفصم عروتها فإن أحداً لايؤوي مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا. فأما الدين فأنت خارج من جملته لمقامك على العقوق ومخالفة ربك وإسخاطه. وأما الدنيا فما أراه بقي معك من الحطام الذي سرقته وحملت نفسك على الإيثار به ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التي نستودعه تبارك وتعالى إياها ونرغب إليه في إنمائها إلى ما أنت مقيم عليه من البغي الذي هو صارعك والعقوق الذي هو طالبك. وأما ما منيتناه من مصيرك إلينا في حشودك وجموعك ومن دخل في طاعتك لإصلاح عملنا ومكافحة أعدائنا بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا فما كان إلا بسببك فأصلح أيها الصبي الأخرق أمـر نفسك قبل إصلاحك عملنا واحزم في أمرك قبل استعمالك الحزم لنا فما أحوجنا الله وله الحمـد إلـى نصرتـك وموازرتـك ولا اضطررنا إلى التكثر " بك " على شقاقك ومعصيتك: " وما وليت شعري على من تهول بالجنود وتمخرق بذكر الجيوش ومن هؤلاء المسخرون لك الباذلون دماءهـم وأموالهـم وأديانهـم دونـك دون رزق ترزقهـم إيـاه ولا عطـاء تـدره عليهـم فقـد علمـت إن كان لك تمييز أو عندك تحصيل كيف كانت حالك في الوقعة التي كانت بناحية أطرابلس وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتى هزمت فكيف تغتر بمن معك من الجنود الذي لا اسم لهم معك ولا رزق يجري لهم على يدك فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لـك والخـوف مـن سلطانـك فإنهـم ليجذبهـم أضعـاف ذلـك منـا ووجودهـم مـن البـذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك وإنهم لأحرى بخذلك والميل إلينا دونك. ولو كانوا جميعاً معك ومقيمين على نصرتك لرجونا أن يمكن الله منك ومنهم ويجعل دائرة السوء عليك وعليهم ويجرينا من عادته في النصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضل علينا بأمثاله ويتطول بأشباهـه. فمادعانـي إلـى الإرجاء لك والتسهيل من خناقك والإطالة من عنانك طول هذه المدة إلا أمـران: أغلبهمـا كـان علـي احتقـار أمـرك واستصغـاره وقلـة الاحتفـال والأكتـراث به وإني اقتصرت من عقوبتك على ما أخلقته بنفسك من الإباق إلى أقاصي بلاد المغرب شريداً عن منزلك وبلدك فريداً من أهلك وولدك والآخر أني علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه فأردت التسكين من نفارك والطمأنينة من جأشك وعملت على أنك تحن إلينـا حنيـن الولـد وتتوق إلى قربنا توقان ذي الرحم والنسب فإن في رفقنا بك ما يعطفك إلينا وفي تآخينا إياك ما يردك علينا ولم يسمع منا سامع في خلاء ولا ملإ انتقاصاً بك ولا غضاً منك ولا قدحاً فيك رقة علينك واستتماماً لليد عندك وتأميلاً لأن تكون الراجع من تلقاء نفسك والموفق بذلك لرشدك وحظك فأما الآن مع اضطرارك إياي إلى ما اضطررتني إليه من الانزعاج نحوك وحبسك رسلي النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك واستعمالك المواربة والخداع فيما يجري عليه تدبيرك. فما أنت بموضع للصيانة ولا أهل للإبقاء والمحافظة بل اللعنة عليك حاله والذمة منك بريه والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة والإضاعـة لرحم الأبوة فعليك من ولد عاق شاق لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ولا قبل الله لك صرفاً ولا عدلاً ولا ترك لك منقلبـاً ترجـع إليـه وخذلـك خذلـان مـن لا يؤبـه لـه وأثكلك ولا أمهلك ولا حاطك ولا حفظك. فوالله لأستعملن لعنك في دبر كل صلاة والدعاء عليك في آناء الليل والنهـار والغـدو والآصالـة ولأكتبـن إلـى مصـر وأجنـاد الشامـات والثغـور وقنسريـن والعواصـم والجزيـرة والحجـاز ومكـة والمدينـة كتبـاً تقـرأ على منابرها فيك باللعن لـك والـراءة منـك والدلالـة علـى عقوقـك وقطيعتـك يتناقلهـا آخـر عـن أول ويأثرهـا غابـر عـن مـاض وتخلـد فـي بطـون الصحائـف وتحملهـا الركبـان ويتحـدث بها في الآفاق وتلحق بها فحينئـذ تعلـم أيهـا المخالـف أمر أبيه القاطع رحمه العاصي ربه أي جناية على نفسك جنيـت وأي كبيـرة اقترفـت واجتنيـت تتمنـى لـو كانـت فيـك مسكه أو فيك فضل إنسانية أنـك لـم تكـن ولـدت ولا فـي الخلـق عرفـت إلا أن تراجع من طاعتنا والإسراع إلى ما قبلنا خاضعاً ذليـلاً كمـا يلزمـك فنقيـم الاستغفـار مقـام اللعنـه والرقـة مقـام الغلظـة والسلـام علـى من سمع الموعظة فوعاها وذكر الله فاتقاه إن شاء الله تعالى. وكما كتب الأخشيد محمد بن طغج " صاحب الديار المصرية " وما معها من البلاد الشامية والأعمال الحجازية إلى أرمانوس: ملك الروم وقد أرسل أرمانوس إليه كتاباً يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة فأمر بكتابة جوابه فكتب له الكتاب عدة أجوبـة ورفعـوا نسخهـا إليـه فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النجيرمي وكان عالماً بوجوه الكتابة. وسخته على ما ذكره ابن سعيد فـي كتابـه " المغـرب فـي أخبـار المغـرب ": مـن محمـد بن طغج مولى أمير المؤمنين إلى أرمانوس عظيم الروم ومن يليه. سلام بقدر ما أنتم له مستحقون فإنا نحمد الله الذي لا إلـه إلا هـو ونسألـه أن يصلـي علـى محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد فقد ترجم لنـا كتابـك الـوارد مـع نقـولا وإسحـاق رسوليـك فوجدنـاه مفتتحـاً بذكـر فضيلـة الرحمة وما نمي عنا إليك وصح من شيمنا فها لديك وبما نحن عليه من المعدلة وحسن السيـرة فـي رعايانـا ومـا وصلـت بـه هـذا القـول مـن الفـداء والتوصـل إلـى تخليـص الإسـرى إلى " غير " ذلك مما اشتمل عليه وتفهمناه. فأما ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة فمن سديد القول الذي يليق بذوي الفضل والنبل ونحن بحمـد اللـه نعمـه علينـا بذلـك عارفـون وإليـه راغبـون وعليـه باعثـون وفيـه بتوفيـق اللـه إيانـا مجتهدون وبـه متواصـون وعاملـون. وإياهنسـأل التوفيـق لمراشـد الأمـور وجوامـع المصالـح بمنـه وقدرته. وأمـا مـا نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة فإنا نرغب إلى الله جل وعلا الذي تفرد بكمال هذه الفضيلة ووهبها لأوليائه ثم أثابهم عليها أن يوفقنا لها ويجعلنا من أهلها وييسرنا للاجتهاد فيها والاعتصام من زيغ الهوى عنها وعرة القسوة بها ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفاً على طاعته وموجبات مرضاته حتى نكون أهلاً لما وصفتنا به وأحق حقاً بما دعوتنا إليه وممن يستحق الزلفى من الله تعالى فإن فقراء إلى رحمته وحق لمن أنزله الله بحيث أنزلنا وحملـة مـن جسيـم المـر مـا حملنـا وجمـع لـه من سعة الممالك ما جمع لنابمولانا أمير المؤمنين أطال الله بقـاءه أن يبتهـل إلـى اللـه تعالى في معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده فإن ذلك إليه وبيده: " ومن لم وأما ما وصفته من ارتفاع محلك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم وأنه الملك القديم الموهوب من الله الباقي على الدهر وإنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحققته من حالنا عندك فإن ذلك لو كان حقاً وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد لكان من الأمر البين أن أحظى وأرشد وأولى بمن حل محلك أن نعمل بما فيه صلاح رعيته ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيباً ولا يقع في معانا صغيرة من المور تعقبها كبيرة فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار ويخوض الغمار ويعرض مهجته فيما ينفع رعيته والذي تجشمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته فهو أمر سهل يسير لأمر عظيم خطير وجل نفعه وصلاحه وعائدته تخصكـم لـأن مذهبنـا انتظـار إحـدى الحسنييـن فمـن كـان منـا في أيديكم فهو على بينة من ربه وعزيمة صادقة من أمره وبصيرة فيما هو بسبيله وإن في الأسارى من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا وخيرهـا لحسن منقلبه وحميد عاقبته ويعلم أن الله تعالى قد أعاذه من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه هذا إلى أوامر الإنجيل الذي هو إمامكم وما توجبه عليكم عزائم سياستكم والتوصل إلى استنقاذ أسرائكم ولولا أن إيضاح القول في الصواب أولى بنا من المسامحة في الجـواب لأضربنـا عـن ذلـك صفحـا إذ رأينـا أن نفس السبب الذي من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلـام مـن كاتبهـم أو عـدا عنهـم إلـى من حل محلنا في دولتهم بل إلى من نزل عن مرتبتنا هو أنه لم يثق من منعه ورد ملتمسه ممن جاوره فرأى أن يقصد به الخلفـاء الذيـن الشـرف كلـه فـي إجابتهم ولا عار على أحمد وإن جل قدره في ردهم ومن وثق في نفسه ممن جاوره وجد قصده أسهل السبيلين عليه وأدناهما إلى إرادته حسب ما تقدم لها من تقدم وكذلك كاتب من حل محلك من قصر عن محلنا ولم يقرب من منزلتنا فممالكنا عدة كان يتقلد في سالف الدهر كل مملكة منها ملك عظيم الشأن. فمنهـا ملـك مصـر الـذي أطغى فرعون على خطر أمره حتى ادعى الإلهية وافتخر على نبي الله موسى بذلك. ومنها ممالك اليمن التي كانت للتبايعة والأقيال العباهلة: ملوك حمير على عظم شأنهم وكثرة عددهم. ومنها أجناد الشام التي: منها جند حمص وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها. ومنها جند دمشق على جلالته في القديم والحديث واختيار الملوك المتقدمين له. ومنها جند الأردن على جلالة قدره وأنه دار المسيح صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ومنها جند فلسطين وهي الأرض المقدسة وبها المسجد الأقصى وكرسي النصرانية ومعتقد غيرها ومحج النصارى واليهود طرا ومقر داود وسليمان ومسجدهما. وبها مسجـد إبراهيـم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام وبها مولد المسيح وأمه وقبرها. هذا إلى ما نتقلده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة والدلالات الظاهرة فإنا لـو لـم نتقلـد غيرها لكانت بشرفها وعظم قدرها وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة لأنها محج آدم ومحج إبراهيم وارثه ومهاجره ومحج سائر الأنبياء وقبلتنـا وقبلتهـم عليهـم السلـام وداره وقبـره ومنبـت ولده ومحج العرب على مر الحقب ومحل أشرافها وذوي أخطارها على عظم شأنهم وفخامة أمرهم وهو البيت العتيق المحرم المحجوج إليه من كل فج عميق الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف من مضى ومن خلف وهو البيت المعمور وله الفضل المشهور. ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم المقدسة بتربته وإنها مهبط الوحـي وبيضـة هـذا الدين المستقيم الذي امتد ظله على البر والبحر والسهل والوعر والشرق والغرب وصحارى العرب على بعد أطرافها وتنازح أقطارها وكثرة سكانها في حاضرتها وباديتها وعظمها في وفودها وشدتها وصدق بأسها ونجدتها وكبر أحلامها وبعد مرامها وانعقاد النصر من عنـد الله براياتها. وإن الله تعالى أباد خضراء كسرى وشرد قيصر عن داره ومحل عزه ومجده بطائفة منهـا. هـذا إلـى مـا تعلمـه مـن أعمالنـا وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسي من أعظم كراسيكم: بيت المقدس وأنطاكية والإسكندرية مع ما إلينا من البحر وجزائره واستظهارنـا بأتـم العتـاد. وإذا وفيت النظر حقه علمت أن الله تعالى قد أصفانا بجل الممالك التي ينتفع الأنام بها وبشرف الأرض المخصوصة بالشرف كله دنيا وآخرة وتحققت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كل منزلة. والحمد لله ولي كل نعمة. وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها على عظمها وسعتها بفضل الله علينا وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيانا كما كتبت إلينا وصح عندك من حسن السيرة وبما يؤلف بين القلوب سائـر الطبقـات مـن الأوليـاء والرعيـة ويجمعهـم علـى الطاعـة واجتمـاع الكلمـة ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة ويكسبها المودة والمحبة. والحمـد للـه رب العالميـن أولاً وآخـراً على نعمه التي تفوت عندنا عدد العادين وإحصاء المجتهدين ونشر الناشرين وقول القائلين وشكر الشاكرين. ونسأله أن يجعلنا ممـن تحـدث بنعمتـه عليـه شكـراً لهـا ونشراً لما منحه الله منها " ومن رضي اجتهاده في شكرها ومن أراد الآخرة " وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكوراً إنه حميد مجيد. وما كنت أحب أن أباهيك بشيء من أمر الدنيا ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذي كرمه وأظهره ووعدنا في عواقبه الغلبة الظاهرة والقدرة القاهرة ثم الفوز الأكبـر يـوم الديـن لكنـك سلكـت مسلكـاً لم يحسن أن نعدل عنه وقلت قولاً لم يسعنا التقصير في جوابه ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به إذ نحن نكرم عن ذلك ونرى أن نكرمـك عنـد محلـك ومنزلتـك ومـا يتصـل بهـا مـن حسـن سياستـك ومذهبـك فـي الخيـر ومحبتـك لأهلـه وإحسانـك لمـن فـي يدك من أسرى المسلمين وعطفك عليهم وتجاوزك في الإحسان إليهم جميع من تقدمك من سلفك ومن كان محموداً فـي أمـره رغـب في محبته لأن الخير أهل أن يحب حيث كان فإن كنت إنما توهل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته وعظمت دولته وحسنت سيرته فهذه ممالك عظيمة واسعة جمة وهي أجـل الممالـك التـي ينتفع بها الأنام وسر الأرض المخصوصة بالشرف فإن الله قد جمع لنا الشرف كله والـولاء الـذي جعـل لنا من مولانا أمير المؤمينن أطال الله بقاءه مخصوصين بذلك إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا والحمد لله رب العالمين الذي جمع لنا ذلك بمنه وإحسانه ومنه نرجو حسن السعـي فيمـا يرضيـه بلطفـه ولـم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه. وإن " كنت " تجري في المكاتبة على رسم من تقدمك من قبلنا من لم يحـل محلنـا ولا أغنـى غناءنـا ولا سـاس فـي الأمـور سياستنا ولا قلده مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلدنا ولا فوض إليه ما فوض إلينا وقـد كوتـب أبـو الجيـش خمارويـه يـن أحمـد بـن طولـون وآخـر مـن كوتـب تكيـن مولى أمير المؤمنين ولي يكن تقلد سوى مصر وأعمالها. ونحن نحمد اللـه كثيـراً أولاً وآخـراً علـى نعمـه التـي يفـوت عندنـا عددهـا عـد العاديـن ونشـر الناشرين. ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات: أولها التحدث بنعمـة اللـه علينـا ثـم الجـواب عمـا تضمنـه كتابك من ذكر المحل والمنزلة في المكاتبة ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا في هذه المسالك وعندنا قوة تامة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى وشكر واف لما توليهم وتتوخاه من مسرتهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة وفقك الله لمواهب خيـرات الدنيا والآخرة والتوفيق للسداد في الأمور كلها والتيسير لصلاح القول والعمل الذي يحبه ويرضاه ويثيب عليه ويرفع في الدنيا والآخرة أهله بمنه ورحمته. وأما الملك الذي ذكرت أنه باق على الدهر لأنه موهوب لكم من الله خاصة فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وإن الملك كله لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممـن يشـاء ويعـز مـن يشـاء ويذل من يشاء بيده الخير وإليه المصير وهو على كل شيء قدير. وإن الله عز وجل نسخ ملك الملوك وجبرية الجبارين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعيـن وشفـع نبوتـه بالإمامـة وحازهـا إلـى العترة الطاهرة من العنصر الذي منه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه والشجرة التي منها غصنه وجعلها خالدة فيهم يتوارثها منهم كابر عن كابر ويلقيها ماض إلى غابر حتى نجز أمر الله ووعده وبهر نصره وكلمته وأظهر حجته وأضاء عمود الدين بالأئمة المهتدين وقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون حتى يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون. وإن أحق ملك أن يكون من عند الله وأولاه وأخلقه أن يكنفـه اللـه بحراستـه وحياطتـه ويحفـه بعزه وأيده ويجلله بهاء السكينة في بهجة الكرامة ويجمله بالبقاء والنجاء ما لاح فجـر وكـر دهر ملك إمامة عادلة خلفت نبـوة فجـرت علـى رسمهـا وسننهـا وأرتسمـت أمرهـا وأقامـت شرائعهـا ودعـت إلـى سبلهـا مستنصـرة بأيدهـا منتجـزة لوعدهـا وإن يوماً واحداً من إمامة عادلة خير عند الله من عمر الدنيا تملكا وجبرية. ونحـن نسـأل اللـه تعالى أن يديم نعمه علينا وإحسانه إلينا بشرف الولاية ثم بحسن العاقبة بما وفر علينا فخره وعلاه ومجده وإحسانه إن شاء الله وبه الثقة وهو حسبنا ونعم الوكيل. وأما الفداء ورأيك في تخليص الأسرى فإنا وإن كنا واثقين لمن في أيديكم بإحدى الحسنيين وعلى بينة لهم من أمرهم وثبات من حسن العاقبة عظم المثوبة عالمين بما لهم فإن فيهم من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا ولذتها سكوناً إلى ما يتحققه من حسن المنقلب جزيل الثواب. ويعلم أن الله قد أعاده من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه وقد تبينا مع ذلك في هذا الباب ما شرعه لنا الأئمة الماضون والسلف الصالحون فوجدنا ذلك موافقاً لما التمسته وغير خارج عما أحببته فسررنا بما تيسر منه وبعثنا الكتب والرسل إلى عمالنا في سائـر أعمالنـا وعزمنـا عليهـم فـي جمـع " كـل مـن قبلهـم وأتباعهـم بمـا وفـر الإيمـان فـي إنفاذهـم وبذلنا في ذلك " كل ممكن وأخرنا إجابتك عـن كتابـك ليبقـدم فعلنـا قولنـا وإنجازنـا وعدنـا ويوشك أن يكون قد ظهر لك من ذلك ما وقع أحسن الموقع منك إن شاء الله. وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة واستشعرته لنا من المودة والمحبة فإن عندنا من مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التي تجمعنا على اختلاف المذاهب وتقتضيه نسبة الشرف الذي يؤلفنا على تبايـن النحـل فإن ذلك من الأسباب التي تخصنا وإياك. ورأينا من تحقيق جميل ظنك بنا إيناس رسلك إلينا وإلطافك إيانا بالقبول إليهم والإقبال عليهم وتلقينا انبساطك إلينا وإلطافـك إيانـا بالقبول الذي يحق علينا ليقع ذلك موقعه وزدنا في توكيده ما اعتمدته ما حملناه رسلك في هذا الوقت على استقلالنا إياه من طرائف بلدنا وما يطـرأ مـن البلـاد علينـا وإن اللـه بعدلـه وحكمته أودع كل قرية صنفاً ليتشوف إليه من بعـد عنـه فيكـون ذلـك سببـاً لعمـارة الدنيـا وأما ما أنفذذته للتجارة فقد أمكنا أصحابك منه وأذنا لهم في البيع وفي ابتياع ما أرادوه واختاروه لأنا وجدنا جميعه مما لا يحظره علينا دين ولا سياسة وعندنا من بسطك وبسط من يرد من جهتك والحرص على عمارة ما بدأتنا به ورعايته ورب ما غرسته أفضل ما يكون عند مثلنا لمثلك. والله يعين على ماننويه من جميل ونعتقده منخير وهو حسبنا ونعم والوكيل. ومن ابتدأ بجميل لزمه الجري عليه والزيادة ولا سيما إذا كان من أهله وخليقاً به. وقد ابتدأتنا بالمؤانسـة والمباسطـة وأنـت حقيـق بعمـارة مـا بيننـا وباعتمادنـا بحوائجـك وعوارضك فأبشر بتيسير ذلك إن شاء الله. والحمد لله أحق ما ابتدئ به وختم بذكره وصلى الله على محمد نبي الهدى والرحمة وعلى آله وسلم تسليماً. الحالة الثانية مكاتبات ملوك الديار المصرية في الدولة الايوبية مكاتبات الدولة الايوبية من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ما كان الحال عليه بعد الدولة الفاطمية في الدولة الأيوبية وقد ذكـر " عبـد الرحيـم بـن شيـث " أحـد كتـاب الدولـة الأيوبيـة فـي أواخـر دولتهـم مصطلـح مايكتـب عن السلطان في خلال كلامه فقال: إن الناس كانوا لا يكتبون " المجلس " إلا للسلطان خاصة ويكتبـون لأعيـان الدولـة مـن الـوزراء وغيرهـم " الحضـرة " ثم أفردوا للسلطان بالمقام والمقر وصاروا يكتبـون " المجلس " لمن دونه ولم يسوغوا مكاتبة السلطان بعد ذلك بالمجلس ولا بالحضرة. قال: ويكتب السلطان إلى ولـده المستخلـف عنـه " بالمجلـس " دون المقـام. واصطلحـوا علـى الاختصـار فـي نعوت الملوك المكتوب إليهم والدعاء بخلاف من هو تحت أمر السلطان وتحت حوزته فإنه كلما ك 3 ثـرت النعـوت والدعـاء لـه فـي مكاتبـة السلطـان إليـه كـان أبلـغ: لـأن ذلك في معنى التشريف من السلطـان وأنـه لا يقـال فـي المقـام " السامـي " بـل " العالـي ". وأنـه إذا كتـب السلطـان إلـى مـن هـو دونه من ذوي الأقدار عبر " بالمجلس السامي " ولا يزاد على ذلك ثم يفرد عن النسب بعد السامي فيقال: الأمير الأجل من غير ياء النسب. وأنه لا يقال العالي مكان السامي في الكتابة عن السلطـان وقـد يجمـع بينهمـا لـذوي الأقـدار وأنـه يضـاف فـي نعـت كـل أمير " عمدة الملوك والسلاطين عز الإسلام أو نصرة الإسلام أو فارس المسلمين " أو ما شابه ذلك من غير ضبط ولا تخصيص لأحد دون أحد إذا أحرزوا النعت الذي اشتهر به المكتوب إليه. وأنه يقال: " عمدة الملوك والسلاطين " و " عدة الملوك والسلاطين " و " ذخر الملوك " ودونها " اختيار الملوك ". وللأقارب " فخر الملوك " و " جمال الملوك " و " عز الملوك " و " زين الملوك ". وللأماثل " معين الملوك " و " نصرة الملوك " وما أشبه ذلك وأنه يكتب للأمراء الأعيان: " حسام أمير المؤمنين " و " ولي أميـر المؤمنيـن " و " صفـوة أمير المؤمنين " و " ثقة أمير المؤمنين " و " صنيعة أمير المؤمنين " على مقـدار مراتبهـم. وأن نعـت الأجـل يذكر بعد العلو والسمو بـأن يقـال: " المجلـس العالـي الأجـل " أو " السامـي الأجـل " وربمـا كـان بعـد ذكـر الإمرة أو القضـاء فيقـال " الأميـر الأجـل " أو " القاضـي الأجـل ". وأن السلطـان لا يبتـدئ بالدعـاء فـي كتبه إلى أحد إلا من ماثله في الملـك. وأن السلطـان لا يكتـب إلـى ممـن هـو تحـت أمـره " بـلا زال " " ولا برح " في الدعاء وإنما يكتب بذلك إلى من ماثله من الملوك أو إلى ولده المستخلف عنه في الملـك. وأن الدعـاء للملـوك يكـون مثـل " أدام اللـه أيامـه " و " خلـد سلطانه وثبت دولته " وما أشبه ذلك. وأن التحميد في أوائل الكتب لا يكون إلا في الكتب الصادرة عن السلطان. وأن غاية عظمة المكتوب إليه أن يكون الحمد ثانية وثالثة في الكتاب ثم يؤتى بالشهادتين ويصلى على النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم. وأنـه يكتـب فـي الكتـب السلطانيـة " صدرت " و " أصدرناها " ولا يكتب " كتبت ". وأن الذي تخاطب به الخلافة عن السلطـان: " المواقـف المقدسـة الشريفـة والعتبات العالية ومقر الرحمة ومحل الشرف ". والذي يخاطب به الملوك: " المقام العالي والمقر الأشرف " ولا يقال " المقام السامي " والذي يخاطب بـه الـوزراء: " الجنـاب العالـي والمحـل السامـي ". ومن دون ذلك " المجلس السامي " ودونـه " مجلـس الحضـرة ". ودونـه " الحضـرة ". وأنـه لا يكتـب عـن السلطان لمن هو تحت أمره إلا بنون الجمع لدلالتها على العظمة ولا يكتب " تشعر " إلا عن السلطان خاصة بخلاف " تعلم " وأن الكتب الصادرة عن السلطان تكون طويلة الطرة وتكون بقلـم جليـل غيـر دقيـق. وأنـه يوسـع بين السطور حتى يكون بين كل سطرين ثلاث أصابع أو أربع أصابـع. وأنـه لا يخـرج عـن سمـت البسملـة فـي الكتابـة ولا يحتمـل ذلـك إلا في الحمدلة. وأنه لا يكثر النقـط والشكـل فـي الكتـب الصـادرة عـن السلطـان لا سيمـا في الألفاظ الظاهرة. وأن الدعاء على العـدو كـان محظـوراً فـي الكتـب الصـادرة عـن السلطـان إلـى مـن دونـه ثـم استعمل ذلك. وأنه لا تترك فضلـة فـي آخـر الكتـاب بياضـاً ولا يكتـب فـي حاشيـة الكتـاب. وأن الترجمـة عـن السلطـان في كتبه لمـن تحـت أمـره أعلاهـم وأدناهـم العلامة فإن أراد تمييز أحد منهم كتب له شيئاً بخطه في مكان العلامـة. وأن العلامـة تكـون إلـى البسملة من السلطان أقرب وأنه لا حرج على السلطان أن يترجم للقضاة والعلماء والعباد بأخيه وولده. وأن عنونة الكتاب وختمه مختص بصاحب ديوان الإنشاء ليدل ذلك على وقوفه على الكتاب. وأنه لا يجوز عنونة الكتاب قبل أن يكتب عليه السلطان ترجمته أو علامته. وأن الكتـب لا تبقـى مفتوحـة إلا أن تكـون فإطلـاق مـال لـأن كـرم الكتـاب ختمه ولا أكرم من كتب السلطـان ويكـون طـي الكتـاب الصـادر عـن السلطـان عـرض ثلاثـة أصابع. الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أو الجناب مثـل: أدام الله أيام المجلس أو أدام الله سلطان المجلس أو أدام الله نعمة المجلس أو أدام الله اقتدار المجلس أو أدام الله سعادات المجلس أو خلد الله أيام المجلس أو سلطان المجلس أو ثتب الله دولة المجلس وما أشبه ذلك مما فيه معنى الدوام وربما أبدل لفظ الدوام وما في معناه بالمضاعفة مثل: ضاعف الله نعمة المجلس. ويؤتى على الألقاب إلى آخرها ثم يقال: نشعر المجلس أو الأمير بكذا ونحو ذلك ويؤتى على المقصود إلى آخره. يختم بالدعاء وقد يختم بغيره. وهذه نسخة مكاتبة من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح غزة واقتلاعها من الفرنج الديوية الذين كانوا مستولين عليها وهي: " أدام الله سعادات المجلس وأحسن لـه التدبيـر وأصفـى عيشـه مـن التكديـر وحقـق لـه وفيـه أحسن الرجاء والتقدير وجعل وجهه من أهلة الأكابر والتكبير وأعاد تأخير أجله من التقديم وتقديم حظه من التأخير. نشعر المجلس بما من الله تعالى به من فتح غزة يوم الجمعة الجامع لشمل النصر القاطع لحبل الكفر وهذه المدينة قد علم الله أنهـا مـن أوسـع المدائـن وأمـلإ الكنائـن وأثـرى المعـادن وهـي كرسي الديوية ومهبط رؤوسهم ومحط نفوسهم وحمى كليبهم بل كلابهم وظهير صليبهـم بـل أصلابهم وما كانت الأبصار إليها تطمح ولا الأقدار بها قبلنا تسمح ولها قلعة أنفها شامخ في الهواء وعطفها جامح عن عطفة اللواء قد أوغلت في الجو مرتفعة وأومضت في الليل ملتعمة وبرداء السحاب ملتفعه قد صافحتها أيدي الأنام بالسلامة من قوراعها وهادنتها حوادث الأيام على الأمن من روائعها إلى أن أبيح لها من أتاح لها الحين وقبض لها من اقتضى منها الدين فصبحهـا بمـا سـاء بـه صباحهـا. وزعزعهـا بالزئيـر الـذي خرس له نباحها. وكان من خبرها أننا لما أطللنا عليها مغيرين وأطفنا بها دائرين ولكؤوس الحرب مديرين تغلبت الأنجاد والأبطـال علـى الزحف وأعجل ارتياح النصر عن انتظام عقد الصـف وانقضـوا عليهـا انقضـاض البـزاة علـى طرائدها وأسرعوا إليها إسراع العطاش إلى مواردها ورفعت الألوية خافقة كذوائـب الضـرام طالعة برسائل الحمام مشيرة بالعذبات إشارة لم يطمئنوا إليها بالسلام وجاءهم الموت من كل مكان وأمطرت الشهب من كل سنان فرأوا مثواهم الحبيب ومحلهم الخصيـب وقـد ركضـت فيه خيول الغير واعترضت فيه سيول العبر جردت فيه نصول القدر والنار قد لعبت فيه مجده واحمرت فيه خدودها مخده وأقواتهم المدخره وأموالهم المثمره نفلاً مباحاً نزبداً مطاحاً مغنماً مشاعـاً ونهبـاً مصاغـاً قـد ملئـت منـه الرحـال وأخصبـت واتسعـت بـه الأيـدي وضاقت به الأرض بما رحبت. مثل: أصدرنا هده المكاتبة أو أصدرت أو صدرت ويؤتى على المقصود على ما تقدم. وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن السلطان " صلاح الدين يوسف بن أيوب " إلى أخيه سيف الإسلام سلطان اليمن يستقدمه إليه معاوناً له على قتال الفرنج خذلهم الله! ويبشره بفتح كوكب وصفد والكرك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو: " اصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس ومما تجدد بحضرتنا فتوح كوكب: وهي كرسي الاستبارية ودار كفرهم ومستقر صاحب أمرهم وموضع سلاحهم وذخرهم وكان بمجمع الطـرق قاعـداً ولملتقى السبل راصداً فتعلقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت وسلكـت الطـرق فيهـا وأمنـت وعمرت بلادها وسكنت ولم يبق في هذا الجانب إلا صور ولولا أن البحر ينجدها والمراكب تردهـا لكـان قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وما هم بحمد الله في حصن يحميهم بل في سجن يحويهم بل هم أسارى وإن كانوا طلقاء وأموات وإن كانوا أحياء قال الله عز وجل " فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا " ولكل امرئ أجل لابد أن يصدقه غائبه وأمل لا بد أن يكذبه خائبه - وكان نزولنا على كوكب بعد أن فتحت صفد بلد الديوية ومعقلهم ومشتغلهم وعملهم ومحلهم الأحصن ومنزلهم وبعد أن فتحنا الكرك وحصونه والمجلس السيفي أسماه الله أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة وقضيته المشكلة وعلته المعضلة وأن الفرنج - لعنهـم اللـه - كانوا يقعدون منه مقاعد للسمع ويتبوأون منه مواضع للنفع ويحولون بين قات " " وراكبهـا فيذللون الأرض بما كانوا منه ثقلاً على مناكبها والآن ما أمن بلاد الهرمين بأشد من أمن بلاد الحرميـن فكلهـا كـان مشتركـاً فـي نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام وتسامي ولا تسام وطالما استفرعنا عليها بيوت الأموال وأنفقنا فيها أعمار الرجال وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجت النصال من النصال والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة الإسلام. وإن بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماًً. وكان نزولنـا علـى كوكـب والشتـاء في كوكبه وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيـض وتكسـوا الجبـال عمائمهـا البيـض والأوديـة قـد عجـت بمائهـا وفاضـت عنـد امتلائها وشمخت أنوفها سيولاً فخرقت الأرض وبلغـت الجبـال طـولاً والأوحـال قـد اعتقلـت الطرقات ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات فتجشمنا العناء نحن ورجال العساكر وكاثرنا العدو والزمان وقد يحرز الحظ المكاثر وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها وضمير الأمانة فإعان علـى حملهـا ونزلنـا مـن رؤوس الجبـال بمنـازل كـان الاستقـرار عليهـا أصعـب مـن ثقلهـا والوقوف بساحتها أهون من نقلها " واما بنعمة ربك فحدث ". والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الاسلام الـذي هـو أخونـا الطيـب علـى الخبيث فمدح السيف ينقسم على حديه ومدح الكريم يتعدى إلى يديه والآن فالمجلس - أسماه الله - يعلم أن الفرنج لا يسلون عما فتحنا ولا يصبرون على ما جرحنا فإنهم - خذلهم الله - أمم لا تحصى وجيوش لا تستقصى ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كل سفينة غصباً ويطمع في كل مدينـة كسبـاً ويـد اللـه فـوق أيديهـم واللـه محيـط بأقربيهم وأبعديهم و " سيجعل الله بعد عسر يسرا " " لا تدري لعل يحدث بعد ذلك أمرا ". وما هم إلا كلـاب قـد تعـاوت وشياطيـن قـد تغـاوت وإن لـم يقذفـوا مـن كـل جانـت دحـورا ويتبعوا بكل شهاب ثاقب مدحورا استأسـدوا واستكلبـوا وتألبـوا وجلبـوا وأجلبـوا وحاربـوا وحزبوا وكانوا لباطلهم الداحض أنصـر منـا لحقنـا الناهـض وفـي ضلالهـم الفاضـح أبصـر منـا لهدانا الواضح ولله در جرير حيث يقول: إن الكريمـة ينصـر الكرم ابنها وابن اللئيمة للئـام نصـورا فالبدار إلى النجدة البدار! والمسارعة إلى الجنة فإنها لا تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار والهمة الهمة! فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار والملـوك الكبـار لا يقـف فـي وجوههـا إلا الملوك الكبار: وما هي إلا نهضة تورث العلا ليومك ما حنت روازم نيب! ونحـن فـي هـذه السنـة - إن شـاء اللـه تعالـى - ننـزل علـى أنطاكيـة وينزل ولدنا الملك المظفر - أظفره الله - على طرابلس ويستقر الركات العادلي - أعلاه الله - بمصر فإنها مذكورة عند العدو - خذله الله - بأنها تطرق وأن الطلب على الشام ومصر تفرق ولا غنى عن أن يكـون المجلـس السيفـي - أسماه الله - بحراً في بلاد الساحل يزخر سلاحاً ويجرد سيفاً يكون على ما فتحناه قفـلاً ولمـا لـم يفتح بعد مفتاحاً فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في مسمع سمعه وفي كل روع روعه وفي كل محضر محضر وفي كل مسجد منبر وفي كل مشهد مخبـر فمـا يدعـي العظيم إلا للعظيم و " لا يرجى " لموقـف الصبـر الكريـم إلا الكريـم " هـذا " والأقـدار ماضيـه وبمشيئـة الله جاريه فإن يشإ الله ينصر على العـدو المضعـف بالعـدد الأضعـف ويوصـل إلـى الجوهـر الأعلى بالعرض الأدنى فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرقها وأن العدو إن خرج من داره بطرا ودخـل إلـى دارنـا كـان فيهـا جـزرا ومـا بقي إن شاء الله إلا أموال تساق إلى ناهبها ورقاب تقـاد إلـى ضاربهـا وأسلحـة تحمـل إلـى كاسبها وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه ومواقـف الرشـد خاويـة مـن عزمه ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر ومطالع النصر فوالله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخـرة أشـد منـا حرصـاً علـى أن نعطيـه عطايـا الدنيـا القاصـرة وإنـا لا يسرنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر ونزال غير الكفء المناظر ولا شك أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفم لقال ما دمت هناك فلست ثم وما هو محمول على خطة يخافها ولا متكلف قضية بحكمنا يعافها والذي بيده لا نستكثره بل نستقصره عن حقه ونستصغره وما ناولنـاه لفتـح أرضـه السلـاح ولا أعرناه لملك مركزه النجاح إلا على سخاء من النفس به وبأمثالـه علـى علـم منـا أنـه لا يقعـد عنـا إذا قامـت " الحـرب " بنفسه وماله فلا نكن به ظناً أحسن منه فعلاً ولا نرضى وقد جعلنا الله أهلاً أن لا نراه لنصرنا أهلاً وليستشر أهل الرشاد فإنهم " لا يألونه " حقاً واستنهاضاً وليعص اهل الغواية فإنهم إنما يتغالون به لمصالحهم أغراضاً ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل وهو يجيتنا جواب مثله لمثلنا وينوى في هذه الزيارة جمـع شمـل الإسلام قبل نية جمع شملنا ولا تقعد به في الله نهضة قائم ولا تخذله عزمة عازم ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم فإنما هي سفرة قاصدة وزجرة واحدة فإذا هو قد بيض الصحيفة والوجه والذكر والسمعة ودان الله أحسن دين فلا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرجعة وليتدبر ما كتبناه وليتفهم ما أردناه وليقد الاستخارة فإنها سـراج الاستنـارة " وليغضـب اللـه ورسوله ولدينه ولأخيه فاهنا مكان الاستغضاب والاستشارة " وليحضر حتى يشاهد أولاداً لأخيه يستشعرون لفرقته غماً وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أن لهم مع عمهم عماً والله سبحانه يلهمه توفيقاً! ويسلك به إليه طريقاً وينجدنا به سيفاً لرقبة الكفـر مرقـاً ولدمه مريقاً ويجعله في مضمار الطاعات سابقاً لا مسبوقاً. الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ " هذه المكاتبة إلى المجلس " وهـذه نسخـة كتـاب مـن هـذا الاسلـوب بالإخبـار بفتـح أيلـة التـي تحت العقبة في ممر حجاج مصر. وهـي: هـذه المكاتبـة إلى المجلس الفلاني أعلى الله سلطانه وعمر بالنجاح آماله وبالسعادة أوطانه ولا زالت يد النصر تصرف يوم اللقاء عنانه ويد لطف الله تفيض على الخلق يوم العلياء عنانه وتمكن من هام العداء ونحورهم سيفه وسنانه " نشعره " أنه لم تزل عوائد الله سبحانه عندنا متكفلة ما يوجب أن يبدأ الحمد ويعاد مقربة لنا من الآمال كل ما كان رهين ناي وبعاد موافقة لنا بالتوفيق فكأننا وإياه على ميعاد معينة لنا على ما يعتده الغاش معاش وعيد معاد. وقد كان ما علم من غزوتنا إلى أيلة التي اخذها العدو معقلاً وتديرهاً منزلاً وعدها موئلاً وغاض بها رونق الجملة وفاض بها أهل القبلة وصارت على مدارج الأنفاس وعلى مراصد الافتراض والافتراس وخصت الحرمين بأعظم قادح واشتد عن حادثتها من لطف الله أعظم فاتح ولما توجهنا إليها نزلنا عليها شاهدنا قلعة يحتاج راميها إلـى الدهـر المديـد والأمـل البعيـد والـزاد العتيـد والبـأس الشديـد تنبـو بعطـف جامح عن الخطبة وتعرض بذكر مانع عن الضربة وتعطف بأنف على السحاب شامخ وتطلع في الصباح بوجه شادخ كأنما بينها وبين الأيام ذمام وكأن نار الحوادث إذا بلغت ماءها برد وسلام فأطفنا بها متبصرين ونزلنا من ناحية البر بها مفكرين وبينا نحن نأمر بالحرب أن يشب أوارها وبالخيل أن تسير أسرارها وبنار اللقـاء أن يستطير شرارها وبقناطير الموت من القسي أن تعقد أوتارها وبالمجانيق أن تعقـد حناياهـا وتحـل أزرارهـا وبالكواكـب أن تذيقهـم طعـم الصغـار كبارهـا إذ نـادى منـاد مـن أعلـى قمتهـا ورأس قلتها معلناً بالأمـان ناسخـاً لآيـة الكفـر بآيـة الإيمـان فأعارتـه الأسمـاع إنصاتهـا واستحقت القلوب حصاتها وعمدت إليه بنت بحر عادت باب نصر وساعة بدهر وبشرني بغلـام علـى كبـر وبظفـر فـي سفـر علـى قـدر فأعطـى فرنجهـا مـا طلبوا وأتى اللطف للمسلمين بما لم يحتسبـوا وفـي الحال رفعت عليها ألوية الإسلام ونشرت وأوت إليها فئة الحق وحشرت وتظاهرت عليها أولياء الله وظهرت وقيل الحمد لله رب العالمين. الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بلفظ " كتابنا " وباقي الأمر على نحو ما تقدم وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن الملك الناصر " صلاحح الدين يوسف بن أيوب " إلى بعض الأمراء بالشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود. وهي: كتابنـا هـذا إلـى الأميـر معزيـن بالـرزء الذي كملت أقسامه وتمت ورمت أحداثه القلوب فأصمت وطرقت أحاديثه الأسماع فأصمت وأبى أن تعفو كلومه وكاد لأجله الأفق تنكسف بدوره وتنكدر نجومه وثلم جانب الدين لفقد من لولاه لدرست أعلمه ولم تدرس علومـه وفجـأ فاستولـى علـى كـل قلـب وجيبـه وعلـى كـل خاطر وجومه بانتقال المولى " نور الدين " إلى سكنى دار السلام وفدومه على ما أعده الله له من جزاء ذبه عن الإسلام وبكى أهله على فقـد عزائمـه التـي بهـا حفظـت وحرسـت وشكـت الممالـك وحشـة بعـده وإن ابتهجـت الملائكـة بقربـه وأنسـت فللـه هـو! مـن مصـاب أغـرى العيـون بفيضهـا والنفـوس بغيظهـا ونقل الأولياء من ظل المسرة ونعيمها إلى هجير المساءة وقيظها وأوجب تناجي الكفار بالنجاة من تلك السطوة التي لم تزل تزيدها غماً وتردها بغيظها. ومنئين بما أسا الكلم وداواه وحـوى الحـق إلـى الجانـب الأمنـع وآواه مـن جلـوس ولـده " الملـك الصالح " ذي التصويب والتسديد مشمولاً منا بالعرف العميم والطول الجسيم جارياً على سننه المعهودة وعادته المحمودة في رفع صالح أدعيته عن صفاء سريرته وخلوص عقيدته مستمراً على جميل تحيته في إمدادنا ببركته إن شاء الله تعالى. قلت: والمصطلح الجاري عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في زماننا مأخوذة من الأساليب الثلاثة: الأول والثاني والثالث المقدم ذكرها. على أن في الدولة الأيوبية أساليب أخرى لا يسع استيعابها ويغتنى عنها بما تقدم ذكره الطرف الحادي عشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب مكاتبات ملوك الغرب وقد انفردوا عن كتاب المشرق وكتاب الديار المصرية بأمور: منها أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه بميم الجمع مع الانفراد كما تقع الكتابة عن المكتوب عنه بنون الجمع مع الانفراد. ومنهـا أنهـم يلتزمـون الدعـاء بمعنـى الكتابـة عنـد قولهـم: كتبنـا بأن يقال " كتبنا إليكم كتب الله لكم كذا ". ومنها أنهم يترضون عن الخليفة القائمين بدعوته في كتبهم. ومنهـا أنهـم يذكـرون اسـم المكتوب إليه في أثناء الكتاب وباقي مكاتباتهم على نحو من مكاتبات أهل الشرق والديار المصرية وكتبهم تختم بالسلام غالباً وربما ختمت بالدعاء ونحوه. ومنها أن الخطاب يقع عندهم بلفظ الرياسة مثل أن يقال: رياستكم الكريمة ونحو ذلك. ولها الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدم اسلوب المكاتبات في الزمن المتقدم وهو على أربعة أساليب الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ " من فلان إلى فلان " ويدعى للمكتوب إليه ثم يقع التخلص إلى المقصود بأما بعد ويؤتى عليـه إلـى آخـره ويختـم بالسلام كمـا كتـب أبـو بكـر بـن هشـام عـن أبـي محمـد بـن هـود فـي قيامه بالدعوة العباسية ببلاد المغرب إلى أهل بلد من رعيته. " مـن فلان إلى أهل فلانة أدام الله كرامتهم آثرهم بتقواه وعرفهم عوارف نعماه كنفهم في حرمه المنيع وحماه وجعلهم ممن وفق إلى رضاه وحف بخير ما قدره وقضاه بسلام. أما بعد حمداً لله على متتابع واسع فضله هازم الباطل وأهله ومورط الجاهل في مهواة جهله الماليء بدعوة الحق ما اتسع من حزن المعمور وسهله والصلاة على سيدنا محمد نبيه المصطفى خاتم رسله المؤيد بالقرآن الذي عجزت الجن والإنس أن يأتوا بمثله وعلى آله وصحبه الجارين على قويم سنته وواضح سبله والرضا عن الإمام العباسي أمير المؤمنين الذي لا إمام سواه للمسلمين المفرع من محتده الكريم وأصله المدافع عـن حـرم أمـره بسديـد نظـره وحديـد نصلـه والدعاء لمقامه العلي ومكانه السني بالسعد المصاحب بمصاحبة ظله والعضد الفاتح مـا لـم يفتح لأحد من قبله فإنا كتبناه لكم - كتبكم الله ممن انتفع بقوله وعمله وتوجه إلى رضـاه بمبسوط أمله وجرت له الأقدار بأفضل معتاد وأجمله - من فلانة والتوكل على الله سبحانه نتائج تبرزها الأيام ويستنجدها السعد والحسام ويستدنيها التفويض إلى الله سبحانه والاستسلام والدعوة العلية - أدام الله أيامها وأسعد أعلامها - الآثار التي تجملت بها المذاهب والأنوار التي وضحت بها المساري والمسارب وأضاءت بها المشارق والمغارب. والحمد لله حمداً كثيرا - المكان الذي تتجدد حرمته وتتأكد ذمته ولا توضع عن يد الاعتناء والاهتمام أزمته وإذا أنهضت العزائم لمصالح العباد تقدمت كل العزمات عزمته لأنه المكان الذي صرف وجوه الأعداء وصابر مكابدة الإضرار والاعتداء واحتمل مكروه الدواء في معالجـة الشفـاء ومعاجلة حسم الداء فكرمت آثاره وتعين تخصيصه بالمزيد وإيثاره وطابت إخبـاره وطالـت في مضايق مجال الرجال أسنته وشفاره فنحن نوجب تكريمه ونؤثر تقديمه ونتبع حديثه في الاعتناء قديمه والله يتولى تكميل قصدنا الجميل فيه وتتميمه!. وقد بلغ - بلغكم الله أملكم وأتم نعمته قبلكم - تحرك ذلكم الخائن للإضرار بالبلاد وإيثاره دواعي الشر والفساد ومتى احتيج إلى إعلام جهة من الجهات بأحواله وما يتصـوره بفاسـد خياله وتغلب كبره المردي واختيالـه ومـا يصـدر عنـه مـن قبيـح آثـاره وأعمالـه فإنمـا يستعلـم تخقيقها منكم ويتعرف تصديقها من لدنكم بصـدق جواركـم ودنـو داركـم وتداخـل آثـاره مـع آثاركم فأنتم أقرب اطلاعاً على خبـث سـره وسـوء مكـره ومـا يضمـر للمسلميـن مـن إذايتـه وضـره فمتـى انصرفـت وجـوه المسلميـن إلـى جهـاده واشتغلـوا بتأمين بلادهم انتهز الفرصة في فساد يحدثه وعقد ينكثه واستعجال ما يعجل عليه ولا يلبثه ونحن نعرض عنه إعراض من يرجـو متابه ويرتقب رجوعه إلى الحق وإيابه وهو متخبط في أهوائه مستمر على غلوائه مصر على إضراره واعتدائه لا يكف عنه من استطالته ولا يريه الاستبصار وجهة جهالته فوجب علينا بحكم النظر للبلاد التي لحقها عدوانه وأضر بها مكانه وتكرر عليها امتحانه ا نعاجل حسم علله ونسد مواقع خلله ونرد عليه كل مضرة لا حقة من قبله حتى يستريح الناس إلـى أمـن مبسوط وكنف مضبوط وحوز بالكفاية والوقاية محوط وقد كنا عند الفراغ من مصالح البلاد الغربية وانتهاء الفتح فيها إلى ما لم يدر بالخاطر ولم يحسب بالنية نظرنا في إعداد جموع من أجناد الغرب وتخيرنا منهم كل من درب بالطعن والضرب وسعد لكم مـن جماهيـر الأغـراب وجزولة وسائر القبائل النازلين بالبلاد المتأهبين لما يطلبون به من الغزو والجهاد ورسمنا لهم أن يلحقوا بنا عند الاستدعاء على ما جددنا لهم في الانتخاب والانتقاء لتأخذ الجموع كلها من محو أثر هذا الخائن بنصيب وتضرب فيه وفي كل عمل يعفيه بسهم مصيب لكن لما تعجل حركته التي تعجل بها الحين وساقه إليها القدر الذي أعمى البصيرة والعين رأينا أن ننفذ إليه قصدنا وأن نعاجله بما حضر عندنا متوافرة الأعـداد غنيـة عـن الاستمـداد غيـر مفتقـرة إلـى الازدياد ومع هذا فقد أمرنا أهل الجهات كلها باللحاق بنا وأن ينهض جميع أعدادهم من الخيل والبطـل والرمـاة علـى سبيلنـا ومذهبنـا لتكون الأيدي في هذه المصلحة العامة واحدة والعقائد في هـذا الضـرر عـن الكافـة متعاقـدة حتـى يذهـب أثـر هـذه النكبـة وعينهـا ويـزول عـن بهجه الإحقاق والاتفاق شينها وإذا وضب على أهل هذه الجهات أن ينفروا في هذه الدعاة خفافاً وثقالاً ويبادروا ركباناً ورجالاً كان الوجوب في حقكم وجوبين والفرض عليكم فرضين لما يخصكم من هذه المصلحة التي أنتم أولى من يجتلي صورها ويجتني ثمرها ويجد في حاله واستقبالـه إثرهـا فليكـن استعدادكم بحسب ذلكم واستوعبوا جميع أنجادكم من خيلكم ورماتكم ورجالكم وكونوا واقفين على قدم التأهب إلـى أن يكـون الاجتيـاز مـن هنالكـم إن شاء الله تعالى والسلام " الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ " أما بعد " وهو على ضربين ثم يتخلص إلى المقصود ويختم بالسلام على نحو ما تقدم كمـا كتـب أبـو عبـد اله بن الجيان عن أبي عبد الله بن هود أيضاً إلى أكابر بلده بالرفق بالرعية عند ورود كتابهم عليه بتحصين البلد وبلوغه جور المستخدمين بها على الرعية وهو: أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولي متوالي الإنعام ومتابعه والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتـزام وقواطعه والرضا عن الخليفة الإمام العباسي أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سمو مطالعه. فإنا كتبنا إليكم - كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز - من فلانـة وكلمـة الحـق منصـورة اللـواء منشـورة الأضـواء والتوكـل علـى الـه فـي الإعـادة والإبداء والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء وحمد الله تعالى وشكره وصلنا إلى نيل مزيد النعماء والآلاء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسـب المتحلي في الغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديـه مـن المصالحة السالكة بأكرم السجيات في المناحي الحسان على المهيع الآوضح والسنن اللاحب وقد وقفنا على كتابكم معلماً بخبر فلانة وما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في أسباب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعيـة وحملهـا علـى قوانيـن الإحسـان المرعيـة - وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب " أهل " فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفيـن فيهـم ويتظلمـون مـن متحيفيهـم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لـو انتهـى إليكـم فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور ولا يعلم طريقة الرفق الجارية بوفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيراً والتيسير تعسيراً وتعلمون أنا لا نقدم على إيثـار العـدل فـي عبـاد الـه المسلميـن عمـلاً ولا نبغـي لهـم باطنـة بغيـر التخفيـف عنهـم والإحسان إليهم بدلاً وأنتم أولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعاية هذا السنن الأرشـد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم يبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم من جـار عليهـم مـن الخدمـة لأخذتـم علـى يـده وجازيتمـوه بسـوء معتقده وأشعرناهم بأنا قد استوصيناكم بهم خيراً ونبهناكم على ما يدفع عنه ضيماً ويرفع ضيراً وأنتم - إن شاء الله - تستأنفون نظراً جميلاً وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلاً وتقدمون عليهـم مـن تحسـن فيهـم سيرتـه وتكـرم فـي تمشيتـه الرفـق علانيتـه وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الاحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى والسلام. ثم يؤتى على المقصود إلى آخره على نحو ما تقدم كما كتب أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بالأبار عن الأمير أبي جميل إلى أهل ناحية بولاية وال عليهم وهي: أمـا بعـد فالكتـاب - كتـب اللـه لكـم مـلء الجوانب قراراً وأرسل عليكم سماء المواهب مدراراً - من فلانة وليس إلا الخير الدائم واليسر الملازم وقد توالى إعلامم بالغرض الجميل فيكم والاعتناء المتصل بتمهيد نواحيكم وأنتم اليوم بثغر متحيف وجناب متطرف يتضاعف الاحتياط عليه ويجب تيسير المير إليه فالنظر له معمل والتهمم به لا يهمل وهـذه ألسن قد ملك قيادها وأوثر بوجوه القرابة إمدادها وفلان قد خاطب يستأذن في القدوم على الباب الكريم ويؤكذ ما عنده في الخدمة والتصميم والخيرات بسبيل الاتصال والمسرات واردة مع البكور والآصال. والحمد لله الجسيم فضله والعظيم نيله فاحمدوا الله على ما يسر لنا ولكم واستوزعوه شكر ما خولنا وخولكم واعلموا أنا نرعاكم كما رعى أولنا أولاكم وقدعين لموضعكم كـذا وكـذا فأنفذوا إلينا بعضكم معجلا واستشعروا إنماء الأثرة واطراد النصرة حالاً ومستقبلاً والحركة الكبـرى - يمنهـا اللـه - قـد شـرع فـي أسبابها وأتي ما يؤتي بمشيئة الله الفتح القريب من بابها ولا غنى بما يدار في ذلك عن فلان وقد خوطب بالوصول ووجه إليكم فلان والياً عليكم وثاوياً لديكم وهو ممـن خبـرت كفايتـه وارتضيـت لجبـر أحوالكـم سياستـه وشكـر هنـا فأوثرتـم بـه هنالكـم وقـد فـوض إليكـم مـن نظر لخاصتكم وجمهوركم وقلد بما يستقل أتم الاستقلال من تدبير أموركم وأمضي معه من الأجناد طائفة يحسنون الدفاع والذيـاد ولا يفارقـون الجـد والاجتهـاد ووراء هـذا مـن كريـم العنايـة وجميـل النظـر مـا يقضـي لكم بالفلج والظفر ويديلكم بالأمانة الشاملة من الذعر والحذر إن شاء الله تعالى والسلام. الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ " كتابنا إليكم من موضع كذا والأمر على كذا وكذا " ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام وربمـا قيـل: " هـذا كتابنـا إليكـم " وربمـا قيـل: " كتبنـا إليكـم " ونحـو ذلـك كمـا كتـب أبـو المطرف بن عميرة عن ابن هود في البشارة بفتح حصن وهو: كتابنـا إليكـم - أطلـع اللـه عليكـم مـن البشائـر أنورهـا جبينـاً وأوصحهـا صبحـاً مبينـاً - من فلانة في يوم كذا. سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي تكفل بنصر من ينصره ونصلي على سيدنا محمد الكريم محتـده الزاكـي عنصـره ونجـدد مشفـوع الصلـوات ونـردد مرفـوع الدعـوات للإمـام الخليفـة والحمد لله الذي أنعم علينا بتقليد إمامته التي لا تعقد معها إمامه وأقامنا لإقامة دعوته التي لا تجوز على غيرها إقامة وجعلنا نرمي الغرض باسمه الأشرف فنصيبه ونستوهب فضل الله سبحانه فيتوفر قبلنا نصيبه ونستنزل بخلافته المباركة جوامع النصر كما استنزل الفارق بغرة جده هوامع القطر فتسير أمام رايته السوداء بالأثر المبيض وتروي هـذه أوام كمـا أروى ذلـك أوام الأرض وما زلنا منذ كان النزول على هذا الحصن نتعرف فيه من مخايل النجح ودلائل الظفر والفتح ما أعطانا فثلج اليقين بأنا نفصم عروته ونفرع ذروته ولم يزل العزم يذلل شماسه ويقلـل ناسـه حتـى أذعنـوا لمـا عرفتـم بـه مـن النـزول لوقـت معـدود وأمـد محـدود. ثـم إنهـم خامرهم طارق الوجل فعجلوا أداء دينه قبل حلول الأجل وأمكن الله من هذا المعقل الفذ في المعاقل وقتل الظانين لامتناعهم والحسام إن شاء الله تعالى في يد القاتل وقد صعدت راياتنا على السور وسعدت إدارتنا بالعزم المنصور وشيد الله من هذا الفتج الجليل أقصى الفتوح بعلو وأشجاها للعدو وأدلها على نجح عمل مستأنف وبلوغ أمل مرجو. والحمد لله رد حقنا المغتصب وكفانا في وجهنا هذا التعب والنصب وعرفناكم بهذا الخبر الذي هو غذاء للروح والمنبي عن فتح الفتوح: لشكروا الله عليه شكراً وتوفوه حقه إذاعة له ونشـراً وتجددوا بحمد الله " على " ما أولى من خالص النعم ووافر القسم ما يطيب به المعرس والمقبل ويستقصر به الأمد الطويل. واكتبوا من خطابنا هذا نسخاً إلى الجهات ليأخذ منها كل بحظه وينعم القريب والبعيد بجلالة معناه وجزالة لفظه أعاننا الله وإياكم على شكر إحسانه الجزيل ولا أخلى من لطفه العميم ونظره الجميل بمنه والسلام. الحالة الثانية ما الأمر مستقر عليه الآن مما كان عليه علامة متأخري كتاب المغرب أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب حمراء غرناطة من الأندلس ما استقر عليه في الوقت الحالي والأمـر فيهـا علـى نحـو مـا تقـدم فـي الحالـة الأولـى: من التعبير عن المكتوب إليه بميم الجمع وإن كان واحداً والتزام الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا إليكم ونحو ذلك. وعادتهم أن يكتب كتاب السلطان في طومار كامل فـإن استوعـب الكلـام جميـع الطومـار كتـب علـى حاشيتـه ويكتب صاحب العلامة علامة السلطان في آخره ويطوى طياً عريضاً في نحو ثلاث أصابع معترضة ثم يكسر ويطوى نصفين ويكتب العنوان بالألقاب التي في الصدر ويخزم بدسرة من الورق ثم يختم بخاتم السلطان على شمع أحمر كما تقدم بيانه. وهي على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة باللقب اللائق بالمكتوب إليه وهو على أضرب والرسـم فيـه عندهـم أن يقـال: " المقـام " وينعـت بما يليق به ثم يقال: " محل أخينا أو محل ولدنا أو محـل والدنـا السلطـان " ويؤتـى بألقابـه ثـم يسمـى ثـم يقـال: " مـن فلـان " ويفعـل فيـه كذلك منتهى نسبه ويدعى له بالبقاء وما يتبعه ثم يقال: معظم قدره أو معظم مقامه وما أشبه ذلك ويذكر اسم المكتوب عنه ثم يقال: أما بعد حمد الله ويؤتى بالخطبة إلى آخرها ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب المقدم ذكره عن سلطانه ابن الأحمر المذكـور أعلـاه إلـى السلطـان أبـي عنـاه بـن أبـي الحسـن المرينـي صاحـب فـاس عنـد مـوت الطاغية ملك قشتالة من إقليم أشبيلية وطليطلة وقرطبة وما معها بعد نزوله على جبل الفتح من مملكة المسلمين بالأندلس لمحاربة المسلمين فيه ورحيل قومه بعد موته به وهو: المقام الذي أنارت آيات سعده في مسطور الوجـود وتبـارت جيـاد مجـده فـي ميـدان البـأس والجود وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغربية تجديد السعود وإعادة العهود واختلفت كتائب تأييـد اللـه ونصـره لوقتـه المشهـور فيهـا ويومـه المشهـود مقـام محـل أخينـا الـذي نعظمـه ونرفعه ويوجب له الحق العلي موضعه السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان أبي سعيد ابن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق - أبقاه الله يتهلل للبشرى جنابه ويفتح لوارد الفتـح الإلهـي بابـه وتعمـل فـي سبيـل الله مكارمه وعزائمه وركابه ويتوفر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخـره وثوابـه ومعظـم قـدره الأميـر عبـد الله يوسف ابن أمير الملمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بـن نصر سلام كريم مشفوع بالبشائر والتهاني محفوف " الركاب " ببلوغ الأماني ورحمة الله تعالى وبركاته. أمـا بعـد حمـد اللـه مطلـع أنـوار الصنائـع العجيبـة متألقـة الغـرر ومنشيء سحائب الألطاف الكريمة الأوصاف هامية الدرر الكريم الذي يجيب دعوة المضطـر إذا دعـاه ويكشـف السـؤء وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر حجـب كامـن ألطافـه عـن قـوى الفطـن ومـدارك الفطـر فمـا " يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر " والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهـرة والآيـات الكبـر الـذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر وبنور هداه نستضيء عند التباس الورد والصدر فنحصـل علـى الخيـر العاجـل والمنتظر والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظفر وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر وانتظموا فيسلك الملة الرفيعة انتظام الدرر والدعاء لمقامكم الأعلى بابصال المسرات وتولـىي البشـر والسعـد الـذي تجـري بأحكامـه النافذة تصاريف القدر والصنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصور فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم من حظوظ فضله وإحسانه أجزل الأقسام وعرفكم عوارف نعمة الثرة وآلائه الجسـام - مـن حمراء غرناظة - حرسها الله - واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت وكاشـف الشدائـد بعدمـا أبرقـت وأرعـدت. ثـم مـا عندنـا مـن الاعتـداد بإيالتكـم التـي أنجـزت لنا في الله ما وعدت ومددنا إليها يد الانتصار على أعدائـه فأسعـدت إلا الصنـع العجيـب واليسـر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب ومد رواقه الفـرج القريب وإلى هذا أيدكم الله على أعدائه وأجزل لديكم مواهب آلائه وحكـم للإسلـام علـى يديكم بظهوره واعتلائه وعرفكم من أخبار الهني المدفع وأنبائه كل شاهد برحمته واعتنائه. فإنا كتبناه إليكـم نحقـق لديكـم البشـرى التـي بمثلهـا تنضـى الركـاب ويخـاض العبـاب ونعـرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب المعتح للأبواب علماً بما عندكم من فضل الأخلاق وكرم الأعراق وأصالة الأحساب والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب والعناية بأمـور هـذا القطـر الـذي تعلـق أذيـال ملككـم السامـي الجنـاب. " وقـد تقـرر لدى مقامكم الأسنى ما كانت الحال آلت إيه بهذا الطاغية " الذي غره الإمهال والإملاء وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتـوب والابتـلاء فتمـلأ تيهـاً وعجبـاً وارتكـب مـن قهـر هـذه الأمـة المسلمة مركباً صعباً وكتائب بحره تأخذ كل سفينة غصباً والمخاوف قد تجاوبت شرقاً وغرباً والقلوب قد بلغت الحناجر غماً وكرباً وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار ومسلك الملة الحنيفية إلى هذه الأقطار قد رماه ببواثقه وصير ساحته مجر عواليه ومجـرى سوابقـه واتخـذه دار مقامـه وجعلـه شغـل يقظتـه وحلـم منامـه ويسر له ما يجاوره م المعاقل إملاء " من الله " لأيامه فاستقر به القرار واطمأنت الدار وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار ورجمت الظنون وساءت الأفكار وشجر نظار القلوب الاضطرار إلى رحمـة اللـه والافتقـار فجبـر اللـه الخواطـر لمـا عظـم بهـا الانكسـار ودار بإدالـة الإٍسلـام الفلـك الدوار وتمخض عن عجائب صنع الله الليل والنهار وهبت نواسـم الفـرج عاطـرة الـأرج ممـن يخلق ما يشاء ويختار لا إله إلا هو الواحد القهار. وبينمـا نحـن نخوض من الشفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجة مترامية المعاطب ونقتعد صعبـاً لا يليـق بالراكب ولولا التعلق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب وكتبكم التي تقوم عند العـدو مقام الكتائب وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب لما رجع الكفر بصفقة الخائب إذ تجلى نور الفرج من خلال تلك الظلمة وهمت سحائب الرحمة والنعمة على هـذه الأمة ورمى الله العدو بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدة وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشدة وأهلك الطاغية حتف أنفه وقطع به عن أمله قاطع حتفه وغالته أيدي المنون في غيله وانتهى إلى حدود القواطع القوية والأشعة المريخية نصير دليله فشفى الله منه داء وأخذه أشد ما كان اعتداداً واعتداء وحمى الجزيرة الغربية وقد صارت نهبة طغاته وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته سبحانه لا مبدل لكلماته. فانتثـر سلكـه الـذي نظمـه واختـل تدبيـره الـذي أحكمـه ونطقـت بتبار محلاته ألسنة النار وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار وركدت ريحه الزعزع من بعد الإعصار وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنيـن فاعتبـروا يـا أولـي الأبصـار " وولـوا بـه يحثون التراب فوق المفارق والترائب ويخلطون تبر السبال الصهب بذوب الذوائب قد لبسوا المسـوح حزناً وأرسلوا الدموع مزناً وشقوا جيوبهم أسفاً وأضرموا قلوبهم تلهفاً ورأوا أن حصن استطبونة لا يتأتى لهم به امتناع ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع فأخلـوه مـن سكانه وعاد فيه الإسلام إلى مكانه وهو ما هو من طيب البقعة وانفساح الرقعة ولو تمسك به العدو لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدوداً والمسلك إلى الجبل - عصمه الله - مسدوداً فكان الصنيع فيه طرازاً على عاتق تلك الحلة الضافية ومزيداً لحسنى العارفة الوافية فلما استجلينـا غـرة هـذا الفتح الهني والمنح السني قابلناه بشكر الله تعالى وحمده وضرعنا إليه في صلة نعمة فلا نعمة إلا من عنده وعلمنا أنه عنوان على مزيد ملككم الأعلى وعلامة على سعده وأثر نيته للإسلام وحسن قصده وفخر ذخره الله لأيامكم لا نهاية لحده فإنكم صرفتم وجـه عنايتكـم إلـى هـذا القطـر علـى نـأي المحل وبعده ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح أن وإجزال رفد. وأما البلد المحصور فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدق الآزال والظنون وشرح الصدور بمقامكـم وأقـر العيـون: مـن صلـة الإمدادعلـى الخطر وتردد السابلة البحرية على بعد الوطن وتعذر الوطر واختلاف الشواني التي تسري إليه سرى الطيف وتخلص سهامها إىل غرضه بعد أنى وكيف حتى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها ولا عدة يهم شأنها فجزاؤكم عند الله موفور القسم وسعيكم لديه مشكور الذمم كافأ الله أعمالكم العالية الهمم وخلالكم الزاكية الشيم فقد سعد الإسلام - والحمد لله - بملككم الميمون الطائر وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثـل السائـر ومـا هـو إلا أن يستتـب اضطـراب الكفـار واختلافهـم ويتنـازع الأحر أصنافهم فتغتنمون إن شاء الله فيه الغرة التي ترتقبها الزائم الشريفة والهمم المنيفة وتجمع شيمكم الغليا بين فخر الاخرة والدنيا وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا فاهنأوا بهذه النعمة التي خبأها الله إلى أيامكم والتحفة التي بعثها السعد إلى مقامكم فإنما هي بتوفيق الله ثمرة عرفناكم بما اتصل لدينا وورد من البشائر علينا عملاً بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيدات والأحوال الواردات ووجهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنا في هذا الهناء ويقرر ما عندنا من الولاء وما يتزيد لدينا بالأنباء خالصة إنعامنا المتميز بالوسيلة المرعية إلى مقامنا الحظي لدين المقرب إلينا القائد الفلاني أبا الحسن عباداً وصل الله عزته ويمن وجهته ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه فيما أحلنا فيه من ذلك عليه والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام. وكمـا كتـب عنـه أيضـاً إلـى السلطـان " أبـي سعيـد عثمـان يـن يغمراسـن " صاحب بلمسن عند بعثه بطعام إلى الأندلس شاكراً له على ذلك ومخبراً بفتح حصن من حصون الندلس يسمى حصن قنيط وهو: المقام الذي تحدثت بسعادته دولة أسلافه واتفق به قولها من بعد اختلافه وعاد العقد إلى انتظامـه والشمـل إلـى ائتلافـه مقـام ولينـا فـي اللـه الـذي هيأ الله له من جميل صنعه أسباباً وفتح به من " مبهم " السعد أبواباً وأطلـع منـه فـي سمـاء قومـه شهابـاًً. وصفينـا الـذي نسهـب القـول فـي شكـر جلاله ووصف خلاله إسهاباً السلطان أبو سعيد عثمان ابن الأمير أبي زيد ابن الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي يحيى يغمراسن بن زيان مع ذكر ألقاب كل منهم بحسبه - أبقاه الله للدولة الزيانية - يزين بالأعمال الصالحة أجيادها ويملك بالعدل والإحسان قيادها ويجري في ميدان الندى والباس ووضع العرف بين الله والناس جيادها. سلام كريم كما زحفت للصباح شهب الموكب وتفتحت عن نهر المجرة أزهار الكواكب ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد حمد الله جامع الشمل بعد انصداعه وشتاته وواصل الحبـل بعـد انقطاعـه وانبتاتـه سبحانـه لا مبـدل لكلماتـه والصلـاة علـى سيدنـا ومولانـا محمد رسوله الصادع بآياته المؤيد ببيناته الذي اصطفاه لحمـل الأمانـة العظمـى وحبـاه بالقـدر الرفيـع والمحـل الأسمـى واللـه أعلـم حيـث يجعـل رسالاته. والرضا عن آله وصحبه وأنصاره وحزبه وحماته المتواصلين في ذات الله وذاتـه القائميـن بنصر دينه وقهر عداته. فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم سعداً ثابت الأركان وعـزاً سامـي المكـان ومجـداً وثيـق البنيـان وصنعـاً كريـم الأثـر والعيـان - مـن حمـراء غرناطـة - حرسها الله - والثقة بالله سبحانه أسبابها وثيقة وأنسابها عتيقة والتوكل عليه لا تلتبس من سالكه طريقه ولا تختلط بلمجاز من حقيقة وعندنا من الاعتداد بكم في الله عقود مبرمة وآي فـي كتاب الإخلاص محكمة ولدينا من السرور بما سناه الله لكم من أسباب الظهور الذي حلله معلمه وحججه البالغة مسلمة ما لا تفي العبارة ببعض حقوقه الملتزمة وإلى هذا - أيد الله أمركم - فإننا وزد علينا فلان وصل الله كرامته وسنى سلامته صادراً عن جهتكم الرفيعة الجانـب الساميـة المراقـب طلـق اللسـان بالثنـاء بمـا خصكـم اللـه بـه مـن فضـل الشمائـل وكـرم المذاهب محدثاً عن بحر مكارمكم بالعجائب فحضر بين يدينا ملقياً ما شاهده من ازديـاد المشاهـد بتلـك الإيالـه واستبشـار المعاهـد بعـودة ذلـك الملـك الرفيع الجلالة الشهير الأصالة ووصل صحبته ما حملتم جفنة من الطعام برسم إعانة هذه البلاد الأندلسية والإمداد الذي افتتحتـم بـه ديـوان أعمالكـم السنيـة وأعربتـم بـه عمـا لكـم فـي سبيل الله من خالص النية وأخبر أن ذلك إنما هو رشة من غمام وطليعة من جيش لهام ووفد من عـدد وبعـض مـن مـدد وأن عزائمكم في الإعانة والإمداد على أولها ومكارمكم ينسى الماضي منها بمستقبلها فأثنينا على قصدكم الذي لله أخلصتموه وبهذا العمل البر خصصتموه وقلنـا: لا ينكـر الفضـل علـى أهلـه وهذا بر صدر عن محله فليست إعانة هذه البلاد الجهادية ببدع من مكارم جنابكم الرفيع ولا شاذة فيما أسدى على الأيام من حسن الصنيع فقد علم الشاهد والغائب ولو سكتوا أثنت عليها الحقائب ما تقدم لسلفكم في هذه البلاد من الإرفاق والإرفاد والأخذ بالحظ الموفور من المدافعـة والجهـاد وأنتـم أولـى مـن جـدد عهود قومه وكان غده في الخفر أكبر من يومه وقد ظهرت لله في حيز تلك الإيالة الزيانية نتيجة تلك المقدمات وعرفت بركة ما أسلفته من المكرمات. وسنـى اللـه سبحانـه بيـن يـدي وصـول مـا بـه تفضلتـم وفي سبيله بذلتم أن فتح جيشنا حصناً من الحصون المجاورة لغربي مالقة يعرف بحصن قنيط من الحصون الشهيرة المعروفة والبقع المذكورة بالخصب الموصوفة ودفع الله مضرته عن الإسلام وأهله ويسره بمعهود فضله فجعلنا من ذلك الطعـام الـذي وجهتـم طعمـة حماتـه ونفقـات رجاله ورماته اختياراً له في أرضى المرافق في سبل الخير وجهاته. وأما نحن فإن ذهبنا إلى تقرير ما عندنا من الثناء على معالي ملككم الأصيل البنـاء والاعتـداد بمقامكـم الرفيع العماد والاستناد إلى ولائكم الثابت الإسناد لم نبلغ بعض المراد ولا وفـى اللسـان بما في الفؤاد فمن الله نسأل أن يجعله في ذاته وذريعة إلى مرضاته ومرادنا من فضلكـم العميـم ووجكـم السليم أن تحسبوا هذه الجهة كجهتكم فيما يعرض من الأغراض: لنعمل في تتميمها بمقتضى الود العذب الموارد الكريم الشواهد والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام. الضرب الثاني أن يقع الابتداء بالمقر والرسم فيـه أن يقـال: المقـر وينعـت ثـم يقـال: مقـر فلـان وينعـت بالألقـاب ثـم يذكـر المكتـوب عنه. ثم يقال: أما بعد حمد الله ويؤتى على الخطبة إلى آخرها ثم يقال: فإنا كتبناه لكم من موضـع كـذا ويتخلـص إلـى المقصد بلفظ: وإلى هذا فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام. كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى عجلان سلطان مكة شرفها الله تعالـى المقـر الأشـرف الـذي فضل الحال الدينية محله وكرم في بئر زمزم منبط إسماعيل صلى الله عليه وسلم نهله وعله وخصه بإمرة الحرم الشريف الأمين من بيده الأمر كله فأسفر عن صبح النصر العزيز فضله واشتمل على خواص الشرف الوضاح جنسه وفصله وطابت فروعه لما استمد من ريحانتي الجنة أصله. مقر السلطان الجليل الكبير الشريف الطاهر الظاهر الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الشهيـر البيـت الكريـم الحـي والميـت الموقـر المعظم ابن الحسين وحافد سيد الثقلين تاج المعالـي عـز الدنيـا والديـن أبـي السبـق عجلان ابن السلطان الكبير الشهير الرفيع الخطير الجليل المثيل الطاهر الظاهر الشريف الأصيل المعظم الأرضى المقدس المنعـم أسـد الديـن أبـي الفضـل " رميثـة " بـن محمـد بـن أبي سعيد الحسني - أبقاه الله وجعل أفئدة من الناس تهوي إلى قاطني مثواه على بعد الدار وتتقرب فيه إلى الله بالتئام التراب واستلام الجدار وتجيـب أذان نبيـه إبراهيـم بالحـج إجابـة الابتـدار وهنأه المزية التي خصه بها من بين ملوك الأقطار وأولـي المراتـب فـي عبـاده والأخطـار كمـا رفـع قدره على الأقدار وسجل له بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام عقد الفخار. وينهي إليه أكرم التحيات تتأرج عن شذا الروضة المعطار عقب الأمطار معظم ما عظم الله من شعائر مثواه وملتمس البركة من أبواب مفاتحته ولكل امرئ ما نواه وموجب حقه الذي يليق بمن البتول والرضا أبواه الشيق إلى الوفادة عليه وإن مطله الدهر ولواه فلان. كان الله له في غربته وانفراده وتولى عونه على الجهاد فيه حق جهاده. أما بعد حمد الله ولي الحمد في الأولى والآخرة ومطمح النفوس العالية والهمم الفاخرة مؤيد العزائـم المتعاضـدة فـي سبيلـه المتناصـرة ومعـز الطائفـة المؤمنة ومذل الطائفة الكافرة ومنيل القياصرة الغلب والأكاسرة وتارك أرضها الآذان السامعة والعيون الباصرة. والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله نبي الرحمة الهامية الهامرة والبركات الباطنة والظاهرة المجاهد في سبيل الله بالعزائم الماضية والصوارم الباترة مصمـت الشقاشـق الهـادرة ومرغـم الضلالـة المكابـره المنصـور بالرعـب مـن جنـود ربـه الناصـره المحروس بحرس الملائكة الوافره الموعود ملك أمته بما زوي له من أطراف البسيطـة العامـرة حسـب مـا ثبـت بالدلائـل المتواترة. والرضـا عـن آلـه وأحزابـه وعترتـه وأصحابـه المجاهـدة الصابـرة أولـي القلوب المراقبة والألسن الذاكـرة والـآداب الحريصـة علـى الاهتـداء بهـداه المثابـره الذيـن جاهـدوا فـي اللـه حـق جهاده يخوضون لأن تكون كلمة اللـه هـي العليـا بحـار الـروع الزاخـرة ويقدمـون بالجمـوع القليلـة علـى الآلاف المتكاثره حتى قرت بظهور الإسلام العيون الناظره وحلت في العدو الفاقرة فكانوا في والدعاء لشرفكم الأصيل المناسب الطاهرة والمكارم الزاهية ببنوة الزهراء البتول بضعة الرسول الزاهرة بالصنع الذي يسفر عن الغرر المشرقة السافرة والعز الذي يضفو منه الجناح على الوفود الوافرة والفضلاء من المجاورة ولا زال ذكركم بالجميل هجيرى الركائب الواردة والصادرة والثناء على مكارمكم يخجل أنفاس الرياض العاطرة عقب الغمائم الماطرة. فإنـا كتبنـاه إليكـم - كتـب اللـه لكـم عناية تحجب الأسواء " بجننها " الساترة ورعاية تجمع الأهواء المختلفـة والقلـوب المتنافـرة - مـن حمـراء غرناطـة دار الملـك الإسلامي بالأندلس - حرسها الله ووفر جمـوع حاميتهـا المثاغرة - ويد بيد قدربه ما هم بها من أفواه العدى الفاغرة ولا زالت سحائب رحمة الله الحائطة لها الغامرة تظلل جموع جهادها الظافرة وتجود رمم شهدائها الناخرة ونعم الله تحط ركائب المزيد في نواديها الحامدة الشاكرة. والحمد لله كما هو أهله فلا فضل إلا فضله. وجانبكم موفى حقه من التعظيم الذي أناف وأربى وقدركم يعرفه من صام وصلى فضلاً عمن حج ولبى ومستند ودكم وإلى هذا - حرس الله مجدكم ومقركم الأشرف كما سحب على البيت العتيق ظلكم الأورف - فإن الجهاد والحج أخوان يشهد بذلك الملوان مرتضعان ثدي المناسبة ويكادان يتكافآن في المحاسبة: سفراً وزاداً ونية واستعداداً وإتلافاً لمصون المال وإنفاداً وخروجاً إلى الله لا يؤثر أهلاً ولا ولداً وإن افترقا محلاً فقد اجتمعا جهاداً ورفعا للملة مناراً سامياً وعماداً ووطننا - والحمد لله - على هذا العهد المخصوص بكمال هذه المزية والقيام بفرض كفايتها البحرية والبرية عن جميع البرية " السليمة من الضلال البرية " وهذا النسب واشجة عروقه صادقة بروقه متاته لا يفضله متات ولا يفوقه. ونحن نعرفكم بأحوال هذا القطر المستمسكة فروعه بتلك الجرثومة الراسيه الممدودة أيديه إلى مثابتها المتصدقة بالدعاء المواسيه فاعلمـوا أن الإسلـام بـه مـع الحيـاة فـي سفط حرج وفي أمر مرج وطائفة الحق قليل عددها منقطة إلا مـن اللـه مددهـا مستغرق يومها في الشدة وغدها فالطلائع في قنن الجبال تنور والمصحر من بيتـه مغـرر والصيحـة مـع الحيـان مسموعـة والأعـاء لـرد مـا استخلصـه الفتـح الأول مجموعة والصبر قد لبست مداره والنصر قد التمست مشارعه والشهداء تنوش أشلاءهم القشاعم وتحتفل منها للعوافي الولائم والمطاعم والصبيان تدرب على العمل بالسلاح وتعلم أحكام الجهاد تعلم القرآن في الألواح وآذان الخيل مستشرفة للصياح ومفارق الطائحين في سبيل الله تعالى تبلى بأيدي الرياح والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة وتراجعها مغاضبة معارضة وعدد المسلميـن لا يبلـغ مـن عـدد الكفـار عشـر المعشـار ولا وبـرة مـن جلـود العشـار إلا أن اللـه عـز وجل حل بولايتنا المخنـق المشـدود وفتـح إلـى التيسيـر المهيـع المسـدود وأضفـى ظلـال اليمـن الممدود وألهم - وله الشكر على الإلهـام وتسديـد السهـام. والحمـد للـه الـذي يفـوت مـدارك الأفهـام - إلـى اجتهـاد قـرن بـه التوفيق وجهاد نهج به إلى النجاة المنجية الطريق سبحانه من كريم يلهم العمل ليثيب ويأمرنا بالدعاء ليجيب فتحركنا حركات ساعدها - وللـه المنـة - السعـد وتولى أمرها ونصرتها من له الأمر من قبل ومن بعد. ففتحنا مدينة برغة الفاصلة كانت بين البلاد المسلمة والشجا المعترض في نحر الكلمة وتبعتها بنات كن يرتضعن أخلاف درتها ويتعلقن في الحرب والسلم بأرزتها. ثم نازلنا حصن آش ركـاب الغـارات الكافـرة ومستقـر الشوكـة الوافـرة فرفـع اللـه إصـره الثقيـل وكان من عثرة الدين فيه المقيل. ثـم قصدنـا مدينـة الجزيـرة بنـت حاضـرة الكفـر وعريـن الأسود الغلب وكناس الظباء العفر فاستبحناها عنوة أضرمت البلاد ناراً ودارت بأسوارها المنيعة سواراً واستأصلنا أهلها قتلاً وإساراً وملأت الأيدي من نقاوة سبي تعددت آلافه وموفور غنم شذت عن العبارة أوصافه. ثـم كانـت الحركة إلى مدينة جيان وشهرتها في المعمور وشياع وصفها المشهور تغني عن بسط مالها من الأمور ففتحها الله على يدينا عنوة وجعلت مقاتلتها نهباً للسيـوف الرقـاق وسبيهـا ملكـة للاسترقـاق وأهلـة مبانيهـا البيـض دريئـة للمحـاق واستولـت علـى جميعها أيدي الهدم والإحراق ثم دكـت الأسـوار وعقـرت الأشجـار واستخلـف علـى خارجهـا النـار فهـي اليـوم صفصف ينشأ بها الاعتبار وتعجب الأبصار. وغزونـا بعدهـا مدينـة أبـدة أختهـا الكبـرى ولدتهـا ذات المحـل الأسـرى وكانـت أسـوة لهـا في التدمير والتتبير والعفاء المبير. ثم نازلنا مدينة قرطبة وهي أم هذه البلاد الكافـرة ودار النعـم الوافـرة وذات المحاسـن السافـرة فكدنا نستبيح حماها المنيع ونشتت شملها الجميع ونحتفل بعتحها الذي " هـو للديـن أجـل " صنيـع لـولا عوائـق أمطـار وأجـل منته إلى مقدار فرحلنا عنها بعد انتهاك زلزل الطود ووعدناها العود ونؤمل من فضل الله إنفاذ البشرى بفتحها على بلاد الإسلام ومتاحفة من بها من الملوك الأعلام بالإخبار به والإعلام. وبلغ " من " صنع الله لنا وهو كاف من توكل عليه وفوض الأمور إليه أن لا طفنا النصر بحصون أربعة لم نوجف عليها ركابا ولا تملكتها غلابا فطهرنا بيوت الله من دنس الأوثان وعوضنا النواقيس بكلمة الإيمان. والحمد لله على مواهب الامتنان ومنه نستزيد عوائد الإحسان. وهذه المجملات تحتمل شرحاً تسبح في بحره سنان الأقلام سبحا من أوصاف مغانم شذت عن الحصر ومواقف لتنزل السكينة وهبوب النصر وما ظهر من جد المسلمين في افتتاح تلك المعاقل المنيعة المنيفـة ومقارعـة الجمـوع الكثيفـة وبركـة الحـرم الشريـف فـي كـل حـال موجـودة وأقطار الإسلام يها مجودة والوسائل إلى الله بأهله في القديم والحديث لا مخيبة ولا مردودة فهو الأصل والغمد الذي سل منه النصل حتى بلغ التخوم القاصية وذلل المالك المتعاصيـة وقـاد من تقاعد أو تقاعس بالناصية. وقـد ظهـر لنا أن نوجه إلى المدينة المقدسة صلوات الله على من بها وسلامه رسالة نعرفه بهذه البركات الهامية من سماء عنايته المعدود خارقها آية من آياته وكلنا جناه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله بهداه وأصحبناها أشخاصاً من نواقيس الفرنج مما تأتى حمله وأمكن نقله ومـا سـواه فكانـت جبـالاً لا يقبـل نقلهـا احتيـالاً فتنـاول درعهـا المسـخ والتكسيـر وشفـي بذهاب رسومهـا الاقامـة والتكبيـر والـأذان الجهيـر ومرادنـا أن تعـرض بمجتمـع الوفـود تذكـرة تستدعي الإمداد بالدعاء وتقتضي بتلك المعاهد النصر على الأعداء ثم تصحب ركات الزيـارة إلـى أبواب النبوة ومطالع الإنارة وأنتم تعلمون في توفية هذه الأحوال ورعايتها وإبلاغها إلى غايتها مـا يليـق بحسبكـم الوضـاح ومجدكـم الصـراح وشرفك المتبلجة أنواره تبلج الإصباح " فأنتم خير من ركـب المطايـا وأندى العالمين بطون راح " ولكم بذلك الحظ الرغيب في هذه الأعمال البرة والله سبحانه لا يضيع مثقال الذرة وهو سبحانه يتولاكم بماتولى به من أعز شعاره وعظمها ورعى وسائلـه واحترمهـا ويصـل أسبـاب سعدكـم وينفعكـم بقصدكـم. والسلام الكريم الطيب البر العميم يحيي معاهدكم الكريمـة علـى اللـه عهودهـا الناميـة بغمائـم الرحمـات والبركـات عهودهـا ورحمة الله وبركاته. وربما قدم على لفظ المقر صلة يعتمد عليها في البداءة. كما كتب عنه أيضاً في معنى ذلك إلى أمير المدينة النبوية على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام. يعتمد المقر الأشرف الذي طاب بطيبة نشره وجل بإمارتها الشريفة أمره وقدر فـي الآفـاق شرفه وشرف قدره وعظم بخدمة ضريح سيد ولـد آدم فخـره " أبقـاه اللـه منشرحـاً بجـوار روضـة الجنة صدره مشرقاً بذلك الأفق الأعلى بدره " ذائعاً على الألسن المادحة في الأقطار النازحة حمده وشكره مزرياً بشذا المسك الأذفر في الجمع الأوفر ذكره تحية معظم ما عظم الله من دار الهجرة داره ومطلع إبداره الملتمـس بركـة آهـاره المتقـرب إلـى اللـه بحبـه وإيثـاره. فلان. أما بعد حمد الله الذي فضل البقع بخضائصها الكريمة ومزاياها تفضيل الرياض الوسيمة برياها وجعل منها مثابابت رحمة تضرب إليها العباد آباط مطاياها مؤملة من الله غفران زلاتها وحط والصلـاة علـى سيدنـا ومولانـا محمـد ورسولـه الكريـم الـرؤوف بالمؤمنين الرحيم مطلع أوجه السعادة ببروق محياه وموضح أسرار النجاة ومبين خفاياها الذي تدارك الخليقة بهديه وكشف بلاياها ورعى لسنة الله رعاياها وجمع بين صلاح دينها ودنياها. والرضـا عـن آلـه وصحبـه وعترتـه وحزبه التي كرمت سجاياها وعظمت ألطافها الهادية وهداياها وجاهدة بعده طوائف الكفار تشعشع لها في أكواس الشفار مناياه وتطلع عليها في الليل البهيم سنا الصباح الوسيم من غرر سراياها وتسد بغمام الأسنة ورياح ذوات الأعنـة ثناياه. والدعـاء لمقـر أصالتكـم الشريفـة حياهـا اللـه وبياهـا كما شرفها بولادة الوصي الذي قرر وصاياها وسلالة النبي الذي أعظم مواهب فخرها منه وعطاياها بالسعادة التي تبرز أكف الأقدار على مرور الأعصار خباياها والعز الذي يزاحم فرقد السماء وثرياها. فإنـا كتبنـاه إليكم - كتب الله لكم من مواهب الصنع الجميل أعياها كما طيب بذكركم أطراف البسيطة وزواياها وجعـل فخـر الجـوار الكريـم فـي عقبكـم كلمـة صـدق لا تختلـف قضاياهـا مامرضت الرياض مورسات عشاياهـا فجعلـت مـن النواسـم مشمومهـا ومـن الأزهـار البواسـم حشاياها. من حمراء غرناطة - حرسها الله - ونعم الله يحوك حللها الجهاد والسيوف الحداد وتلبسهـا البلـاد والعبـاد وتتزياهـا. وفلـول الكفـر ناكصـة علـى الأعقـاب مـن بعـد شـد الوثاق وضرب الرقاب خزاياها وبركات حرم النبي الوجيه على الله يستظلها الإسلام ويتفياها وينقع الغلل من رواياها. والحم لله كثيراً كما هو أهله فلا فضل إلا فضله ولمعاهدكم الكريمة الارتياح كلما أومضـت البروق وخفقت الرياح ولسني عنايتها الالتماح إذا اشتجرت الرماح وفي تأميل المثول بها تعمل الأفكار وإن هيض الجناح وبهداها الاستنارة إذا خفي للمراشد الصباح وبالاعتمال في مرضاة من ضمه منها الثرى الفـواح والصفيـح الـذي تـراث ساكنـه العوامـل المجاهـدة والصفـاح والجهـاد الصراح يعظم في الصدر الانشراح ويعز المغدى في سبيل الله والمراح. وإلى هذا أجزل لله مسرتكم بظهور الدين واعتلاء صبحه المبين فإننا نعرفكم أننا فتح الله علينا وعلى إخوانك المؤمنين بهذه الثغور المنقطعة الغربية الماتـة علـى الآمـاد البعيـدة بالذمـم العربيـة فتوحـاً حوزت من مملكة الكفر البلاد ونفلت الطارف والتلاد حسب ما تنصه مخاطبتنـا إلـى نبينـا الكريم الذي شرفكم الله بخدمة لحده واستخلفكم علىدار هجرته من بعده إذ لا حاجة إلى التكرار بعدما شرحت به الصدور من الأخبار في الإيراد والإصدار ووجهنا صحبتها من النواقيس التي كانت تشيع نداء الضلال وتعارض الأذان بجلاد الحدال وتبادر أمر التمثال بالامتثال ما يكون تذكرة تحن بها القلوب إلى هذه الطائفة المسلمة إذا رأتها وتنتظر قبول الدعاء لها من الله كلما نظرتها وتتصور الأيدي المجاهدة التي جنتها من أفنان المستشرفـات العالية واهتصرتها إذا أبصرتها. وهذا كله لا يتحصل على التمام إلا بمشاركة منكم تسوغه وإعانة تؤديـه وتبلغـه تشيـع لكـم عند تعرفها الثناء الدائم الترداد والدعـاء بحسـن المكافـأة مـن رب العبـاد وسهمكـم فـي أمـر الجهـاد وأنتـم تعملـون فـي ذلـك بمـا يناسـب مثلكـم من الشرفاء الأمجاد والله عز وجل يواليكم بنعمه الثرة العهاد ويعرفكم عوارف السعادة في المبدإ والمعاد ويختم لنا ولكم بسعادة المعاد والسلام الكريم يخصكم عوداً على بدء ورحمة الله تعالى وبركاته. الضرب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإمارة بأن يقال: الإمارة التي نعتها كذا وكذا إمارة محل أخينا فلان ويدعى له. ثم يقـال: معظـم إمارته أو معظم أخوته فلان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعـد حمـد اللـه ويؤتـى بخطبة ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا وكذا من موضع كذا ثم يتخلص إلى المقصـود بلفـظ وإلى هذا ويؤتى على القصد إلى آخره ويختم بالسلام على ما تقم في غيره من الضروب وبذلك يكتب إلى الأمراء من أبناء الملوك وغيرهم. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمـر إلـى أبـي علـي الناصـر ابـن السلطـان أبـي الحسـن المرينـي بفـاس عندمـا أرسلـه والده إلى ناحية من النواحي لعمارتها وإصلاح حالها مهنئاً له بما أجراه الله على يديه من الصلاح وهو: الإمارة التي لها المكارم الراضيـة والعزائـم الماضيـة والجلالـة الراقيـة والأعمـال الصالحـة الباقيـة إمارة محل أخينا الذي نعظم مجده السامي الجلال ونثني على شيمه الطاهرة الخلال ونعتد بوده الكريم الأقوال والأعمال ونسر بما يسنيه الله لغزه الفسيح المجال من عوائد اليمن والإقبال. الأمير الأجل الأعز الأسمى الأطهر الأظهر الأسنى الأٍسعد الأرشد الأرضى المؤيد الأمضى الأفضل الأكمل أبو علي الناصر ابن محل أبينا الذي نعظمه ونجله ونوجب له الحق الذي هو أهله السلطان الجليل الكذا أبو الحسن ابن السلطان المؤيـد المعـان المظفـر صاحـب الجود الشهير في الأقطار والفضل المتألق الأنوار والمآثر الي هي أبهى من محيـا النهـار أميـر المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن أمير المسلميـن وناصـر الدين قامع الكافرين المجاهد في سبيل رب العالمين أبـي يوسـف بـن عبـد الحـق. أبقـاه اللـه والسعـود إليـه مبتـدرة مستبقـة والمسـرات لديـه منتظمـة متسقـة وغـرر أيامـه واضحـة مشرقـة والأهـواء على محبته متفقة. معظم إمارته الرفيعة الجانب القائم من إجلالها ونشر خلالها بالحق الواجب المثني على مالهـا مـن السيـر الفاضلـة المذاهـب والأصالـة الرفيعـة المناسـب والبسالـة الماضية المضارب والمكارم التي تشهد بها مواقف الجهاد وظهور الجيـاد وصحائـف الكتـب وصفائـح الجلـاد الأميـر عبـد اللـه يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر. سلام كريم بر عميم تتأرج الأرجاء من طيب نفحته ويشرق نور الود الأصيل على صفحته يخص أخوتكم الفاضلة وإمارتكم الحافلة ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي شرح بالتوكل عليه صدورا و " جعل الود في ذاته كنزاً مذخورا " والأعمـال التـي تقرب إليه نورا والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بعثه بالحق هادياً وبالرعب منصورا ورفع لدعوتـه العاليـة لـواء مـن عنايتـه منشـورا واختـاره لإقامـة ديـن الحـق والأرض قد ملئت إفكاً نزورا حتى بلغ ملك أمته ما كان منها معمورا. والرضـا عن آله وأحزابه الذين اتسقوا في قلائد ملته الرفيعة شذورا وطلعوا في سمائها بدورا وبذلوا نفوسهم النفيسة في نصره وإعلاء أمره فكانت شفاعته لهم جزاء وكان سعيهم مشكورا. والدعاء لإمارتكـم العاليـة بالسعـد الـذي يصاحـب منـه ركابهـا مـدداً موفـورا والتوفيـق الـذي يوسع عملها نجحاً وأملها سرورا. فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم سعداً متجدد الإحكام وصنعاً مشرق القسام وافر الأقسام وعرفكم ما عودكم من عوارف الإنعام وعوائد النصر الواضح الأعلام - " ولا زائد بفضل الله سبحانـه ثـم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أوضح برهانه ثم بما عندنا من التشيع في مقام محل أبينا والدكم السلطان الجليل أسعد الله سلطانه! ومهد به أوطانه! إلا ما يرجى من عوائد اله الجميلة ومننه الجزيلة وألطافه الكافية الكفيلة " وعندنا مـن التعظيـم لتكـل الإمـارة الرفيعة ما هو أشهر من الشهير وأعظم من أ يحتاج إلى التفسيرح فلا نزال نعتد لجانت أخوتها بالعتـاد الكبيـر والذخر الخطير ونثني على مكارمها بالقلم واللسان والضمير. وإلى هذا أيد الله إمارتكم وسنى إرادتكم وأسعد إدارتكم فقد علم الغائـب والشاهـد والصـادر والـوارد مـا عندنا لكم من الحب الذي صفت منه الموارد والولاء الذي تضوعت من طيبه المعاهد وإننا تعرفنا ما كان من قدومكم السعيد على أحواز المرية من تلك الأقطار وطلوعكم عليها بالعزم الماضي والجيش الجرار. وأن محل والدنا وصل الله له علو المقدار قدم منكم بين يديه مقدمة اليمن والاستبشار ورائد السعادة المشرقة الأنوار بخلال ما يتلاحق بها ركابه العالي قدره على الأقدار وأن مخايل النجح لإمارتكم الرفيعة قـد طهـرت وأدلـة الصنـع الجميـل قـد بهـرت ومـن بتلك الجهات من القبائل المختلفات بالطاعة قد ابتدرت وبأوامرها الإمارية قد ائتمرت وأنكم قد أخذتم في تسكين الأوطان وتمهيدها واستئناف العزائم وتجديدها " وإطفاء نـار الفتـن وإخماهـا " وإعلاء أركان تلك الإيالة ورفع عمادها فكتبنا إليكم هذا الكتاب نهنئكم بما سناه الله لمجدكم الرفيع من حسن الصنيع ونقرر ما عندنا من الود الكريم والحب الصميم ونستفهم عن أحوال أخوتكم لنكون من علمها على السنن القويم وحتى لا تزال الأسباب متصلة والمودة جديـدة مقتبلـة ولـولا العوائـق المانعـة والشقـة البعيـدة الشاسعـة والأمـواج المتراميـة المتدافعـة لم نغب المخاطبة ولوصلنـا المراسلـة والمكاتبـة ومجدكـم يقبـل الأعـذار الصحيحـة بمقتضـى كمالـه ومعهود إفضاله والله تعالـى يصلـح بكـم الأحـوال ويسكـن الأهـوال ويبلغكـم مـن قضلـه الآمـال وغرضنا أن تعرفونا بما لديكم من المتزيدات والصنائع المتجددات وبما عندكم من أحوال محل أبينـا وصـل اللـه عوائـد النصـر لسلطانـه وتكفل بإعلاء أمره وتمهيد أوطانه. وقد كتبنا إليه صحبة هذا كتاباً غرضنا من أجوتكم الطاهرة أن يصل إلى حضرته العلية تحت عنايتكم ووصاتكم والرعاية التي تليق بذاتكم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويحفظ ولاءكم الكريم وودكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه أو المكتوب عنه وهو على ضربين الضرب الأول أن تفتتج الكاتبة باسم المكتوب إليه تعظيماً له والرسم فيه أن يقال: إلى فلان وينعت بما يليق به ثم يؤتى بالسلام ويقـال: أمـا بعـد ويؤتـى بخطبة ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكـم كـذا وكـذا مـن موضـع كـذا ويتخلـص إلـى كمـا كتـب ابـن الخطيـب عـن سلطانـه ابـن الأحمر إلى الأمير يلبغا العمري الشهير بالخاصكي: أتابك العساكر بالديار المصرية في الدولة الأشرفية " شعبان بن حسين " إلى الأمير المؤتمن على أمر سلطان المسلمين المقلد بتدبيره السديد قلادة الديـن المثنـي علـى رسوم بره المقامة لسان الحرم الأمين الآوي من مرضاة الله تعالى ورسوله إلى ربوة ذات قرار ومعين المستعين من الله على ما تحمله وأمله بالقوي المعين سيف الدعوة ركـن الدولـة قـوام الملـة مؤمـل الأمـة تـاج الخـواص أسـد الجيـوش كافـي الكفاة زين الأمراء علم الكبراء عين الأعيان حسنة الزمان المرفع الأسنى الكبير الأشهر الأسمى الحافل الفاضـل الكامـل المعظم الموقر الأمير الأوحد " يلبغا الخاصكي " وصل الله له سعادة تشـرق غرتهـا وصنائـع تسح فلا تشح درتها وأبقى تلك المثابة قلادة الله وهو درتها سلام كريم طيب عميم يخص إمارتكم التي جعل الله الفضل على سعادتها أمارة واليسر لها شارة فيساعد الفلك الدوار مهما أعملت إدارة وتمتثل الرسوم كلما أشارت إشارة. أمـا بعد حمد الله الذي هو بعلمه في كل مكان من قاص ودان وإليه توجه الوجوه وإن اختلفت السير وتباعدت البلدان ومنه يلتمس الإحسان وبذكره ينشرح الصـدر ويطمئـن القلـب ويمـرح اللسان والصلاة والسلام على سيدنا مولانا محمد رسوله العظيم السان ونبيه الصـادق البيـان الواضـح البرهـان والرضـا عـن آلـه وأصحابـه وأعمامـه وأحزابـه أحلاس الخيل ورهبان الليل وأسود الميدان والدعاء لإمارتكم السعيدة بالعز الرائق الخبر والعيان والتوفيق الوثيـق البنيـان فإنـا كتبناه إليكم - كتب الله لكم حظاً من فضله وافراً وصنيعاً عن محيا السرور سافراً وفي جـو الإعلـام بالنعـم الجسام مسافراً. من حمراء غرناظة - حرسها اله - دار الملك بالأندلس دافع اله عن حوزتها كيد العداة وأتحف نصلها ببواكر النصر المهداة ولا زائد إلا الشوق إلى التعارف بتلك الأبواب الشريفة التي أنتم عنوان كتابها المرقوم وبيت قصيدها المنظوم والتماس بركاتها الثابتة الرسوم وتقرير المثول في سبيل زيارتها بالأرواح عند تعذره بالجسوم. وإلـى هـذا فإننـا كانـت بيـن سلفنـا - تقبـل الله جهادهم وقدس نفوسهم وأمن معادهم - وبين تلك الأبواب السلطانية - ألقى اله على الإسلام والسملمين ظلالها كما عرفهم عدلها وإفضالها - مراسلة ينم عرف الخلوص من خللها وتسطع أنوار السعادة من آفاق كمالها وتلتمح من أسطار طروسهـا محاسـن تلـك المعاهـد الزاكيـة المشاهـد وتعـرب عـن فضـل المذاهـب وكـرم المقاصـد اشتقنا إلى أن نجددها بحسن منابكم ونصلهـا بمواصلـة جنابكـم ونغتنـم فـي عودهـا الحميـد مكانكم ونفضل لها زمانكم فخاطبنا الأبواب الشريفة في هذا الغرض بمخاطبة خجلة مـن التقصيرن وجلة من الناقد البصير ونيؤمل الوصول في خفارة يدكم التي لها الأيـادي البيـض والمـوارد التـي لا تغيض ومثلكم من لا تخيب المقاصد في شمائله ولا تضح المآمل في ظل خمائله فقد اشتهر من عظيم سيرتكم ما طبق الآفاق وصحب الرفاق واستلزم الإصفاق وهذه البلاد مباركة ما أسلف أحد فيها مشاركة إلا وجدها في نفسه وماله ودينه وعياله والله أكرم من وفـي لمـريء بمكيالـه واللـه جـل جلالـه يجمـع القلـوب علـى طاعتـه وينفـع بوسيلـة النبي الذي نعول على شفاعته ويبقي تلك الأبواب ملجأ للإسلام والمسلمين وظـل للـه علـى العالميـن وإقامـة لشعائـر الحـرم الأميـن ويتولـى إعانـة إمارتكـم علـى وظائـف الدبـن ويجعلكـم ممـن أنعـم اللـه عليه من المجاهدين والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. الضرب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه وهو على صنفين الصنف الأول ما يكتب به إلى بعض الملوك والرسم فيه أن يقال: من فلان إلى فلان بألقابه ونعوته ونعوت آبائه على مـا تقـدم ثـم يؤتـى بالسلام ويقال أما بعد حمد الله ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا ثم يقال: وإلى هذا فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام على نحو ما مر. كمـا كتـب ابـن الخطيـب عـن ابـن الأحمـر إلـى بعـض ملـوك الغـرب يهنئـه بدخـول مدينـة بجاية في طاعته من أمير المسلمين عبد اله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره إلى محل أخينا الذي نصل له أسبـاب الإعظام والإجلال ونثني عليه بما له من كريم الشيم وحميد الخلال ونسر له ببلوغ الآمال ونجاح الأعمال في طاعة ذي الجلال السلطان فلان ابـن السلطـان فلـان بالألقـاب اللائقـة بكـل منهم وصل الله له سعداً متصل الدوام دائم الاتصال وصنعاً تتجلى وجوهه من ثنايا القبول والإقبال وعزاً اتتفيأ ظلاله عن اليمين والشمال سلام كريم بر عميم يخص سلطانك الأسنى ويعتمد مقامكم المخصوص بالزيادة والحسنى ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الواهب الفاتح المانع المانح مظهر عنايته بمن خلص إليه قصده وقصر على ما لديه صدره وورده أبـدى مـن محيـا النهـار الواضـح الـذي وعـد مـن اتقـاه مـق تقاتـه علـى ألسنة سفرة الوحي وثقاته بنجح الخوانم والفواتح والصرة والسلام على سيدنا محمد رسولـه المبتعث لدرء المفاسد ورعي المصالح وسعادة الغدي والرائح منقذ الناس يوم الفزع الأكبر وقد طاحت بهم أيدي الطوائح وهاديهـم إلـى سـواء السبيـل بأزمـة النصائـح ومظفرهممـن السعـادة الدائمة بأربح البضائع وأسنى المنائح والرضا عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه الذين خلفـوه امتثالاً لأمر الصحائف وإعمالاً للصفائح وكانوا لمته من بعده في الابتداء بسنته والمحافظة على سننه كالنجوم اللوائح والدعاء لسلطانكم السمى بالسعد الـذي يغنـى بوثاقـة سببـه ووضـوح مذهبـه عـن زجـر البـارح والسانـح والعز البعيد المطارح السامي المطامح والصنع الجميل الباهر الملامح ولا زال توفيق الله عائداً على تدبيركم السعيد بالسعي الناجح والتجر الرابح. فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم من فضله أوفر الأقسام وأوفاها وأوردكم من موارد عنايته أعذب الجمام وأصفاها كما أسبـغ عليكـم أثـواب المواهـب وأضفاهـا. " وأبـدى لكـم وجـوه اللطائـف الجميلة وأحفاه " - من حمراء غرناطة - حرسها الله - وفضل الله هامية ديمه وعوائد اللطف يصلها فضله وكرمه والإسلام بهذا الثغر الجهادي مرعية ذممه وجاه النبوة المحمدية يعمل بين إرغام العدو الكافر وإهداء المسرات والبشائر سيفه وقلمه والسـرور بمـا يبلـغ مـن مزيـد سعدكم وميضه خافق علمه وودكم ثابت في مواقف الخلوص قدمه. وقد اتصل بنا ما كان من دخول حضرة بجاية حرسها الله في طاعتكم وانتظاها في سلك جماعتكـم وانقطاعهـا إلـى عصمتكـم تمسكهـا بأزمتكـم وعقدكـم منها ومن أخختها السبقة الذمام الخليقة بمزيد الاهتمام على عقيلتي الأقطار التي لا يجمع بينهما إلا ملك همام وخليفة إمام ومن وضحت من سعادته أحكام وشهرت بعناية الله له أدلة واضحة وأعلام ومن جمع اللـه لـه بيـن البـر المتراكـض الخيـول والجيـش المتدافـع السيـول والخصـب الـذي تنضـي مواجـده المستنجزة ظهور الخيول وبيـن البحـر الشهيـر بنجـدة الأسطـول وإنجامـز وعـد النصـر الممطـول ومرسى السفن التي تخوض أحشاء البحار وتجلب مرافق الأمطـار والأقطـار وتتحـف علـى الناي بطرف الأخبار. بجاية وما بجاية دار الملك الأصيل العتيق وكرسـي العـز الوثيـق والعـدة إذا توقعـت الشـدة كـم ثبتت على الزلزال وصابرت مواقـف النـزال أمطاكـم السعـد صهوتهـا وأحلكـم التوفيـق ربوتهـا من غير مطاولة حصارن ولا استنفاذ ذي وسع واقتدار ولا تسور جدار فأصبحت دولتكم السعيدة تتفيأ " جنى الجنتين وتختـال فـي حلتيـن وتجمـع بفتيـا " السيـوف المالكيـة بنـي هاتيـن الأختيـن أوزعكم الله شكرها من نعمة جلت مواهبها ووضحت مذاهبها وصنيعة بهـرت عجائبهـا. وإذا كانت عقائل النعم تخطب أكفاءها وموارد المنن تعرض على الوراد صفاءها فأنتم أهلها الذين لكم تذخرن وبمن دونكم تسخر فإنكم تميزتم بخصال العفاف والبسالة والحسب والجلالة وأصبحتم في بيتكم صدراً وفي هالة قومكم بدراً مواقفكم شهيرة وسيرتكم في الفضل لا تفضلهـا سيـرة ونحـن نهنئكـم يمـا منحكـم اللـه مـن انفسـاح الإيالـة ونمـو الجلالـة والنعـم المنثالـة بسلطان ألقى عنانه إلى مثلكم قد أختار لقياده وأرتاد فسعد في أرتياده وتكفل الحزم بحفظ بلاده وصون طارفه وتلاده وكـأن بـه قـد استولـى علـى آمـاده وتطـاول لـإرث أجـداده. ولنـا فيكـم - علـم اللـه - ود " تأسـس بنـاؤه وكرمـت أبنـاؤه " وحـب وجـب بالشـرع إنفـاذه إليكم وإنهاؤه. وغرضنـا الـذي نؤثـره علـى الأغـراض والمقاصـد ونقدمـه بمقتضى الخلوص الذي زكت منه الشواهد أن تتصل بيننا وبينكم المخاطبة وتتعاقب المواصلة والمكاتبة والله عز وجل المعين على ما يجب لودكم من بر تكفل واجبـه وتوضـح مذاهبـه واعتقـاد جميـل يتسـاوى شاهـده وغائبـه وهـو سبحانـه يصـل سعدكـم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. الصنف الثاني ما يكتب به إلى الرعايا والحكم فيه على نحو ما تقدم في الصنف الذي قبله إلا أنه يخاطبهم بأوليائنا. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر أيضاً إلى بعض رعاياه بمدينة المرية بالأندلس بالبشارة بموت الطاغية ملك قشتالة بجبل الفتح ورحيل قومه به إلى بلادهم ما صورته: مـن الأميـر عبـد اللـه يوسـف ابـن مولانـا أميـر المسلميـن أبـي الوليـد إسماعيل ابن فرج بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره وأسعد عصره إلى أوليائنا في الله تعالى الذين نبادر إليهم بالبشائر السافرة الغرر ونجلو عليهم وجوه الصنائع الإلهية كريمة الخبر والخبر ونعلم ما لهم من الود الكريم الأثر: القائد بالمرية والقاضي بها والفقهاء والأشيـاخ والـوزراء والأمـراء والكافـة والدهمـاء مـن أهلهـا عرفهم الله عوارف الأداء وأوزعهم شكر نعمة هذا الفتح الرباني الـذي تفتحـت لـه أبـواب السماء وأنشرت معجزاته ميت الرجاء في هذه الأرجاء. سلامً كريم طيب بر عميم تنشق منه نفحات الفرج عاطرة الأرج ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله فاتح أبواب الأمل بعد استغلاقها ومتدارك هذه الأمة المحمدية بالصنع الذي تجلى لها ملء أحداقها والرحمة التي مدت على النفوس والأموال والحرمات والأحوال ضافي رواقها والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي دعوته هي العروة الوثقى لمن تمسـك باعتلاقهـا وأقام على ميثاقها ذي المعجزات التي بهرت العقول بائتلاقها الذي لم ترعه في الله الشدائد على اشتداد وثاقها وفظاعة مذاقها حتى بلغت كلمة الله ما شاءت من انتظامها واتساقها والرضـا عـن آلـه وصحبـه وعترتـه وحزبـه الفائزيـن فـي ميـدان الدنيـا والديـن بخصـل سباقهـا. فإنـا كتبنـاه إليكم - كتب الله لكم شكراً لنعمه ومعرفة بمواقع كرمه من حمراء غرناطة - حرسها الله - ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا ما أمن الأرجاء ومهدها وأنشأ معالم الإسلام وجددها وأسس أركان الدين الحنيف وأقـام أودهـا وأنتـم الأوليـاء الذيـن نعلـم منهـم خلـوص الأهـواء ونتحقـق مـا عندهم من الخلوص والصفاء وإلى هذا فقد علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في ميدان الأمل جري الجموح ودارت عليه خمـرة النخـوة والخيـلاء مع الغبوق والصبوح حتى طفح بسكر اغتراره ومحص المسلمون على يديه بالوقائع التي تجاوز منتهى مقداره وتوجهت إلى استئصال الكلمة مطامع أفكـاره ووثـق بأنـه " يطفيء " نور الله بناره ونازل جبل الفتح فشد مخنق حصاره وأدار أشياعه في البر والبحر دور السوار على أسواره وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب وانبهام الأبواب والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين على مألوف الحساب وتكالب التثليث على التوحيد وساءت الظنون في هذا القطر الوحيد المنقطع بين الأمم الكافرة والبحور الزاخرة والمرام البعيد وإننا صابرنا بالله تيار سيله واستضأنا بنور التوكل عليه في جنح هذا الخطب ودجنة ليله ولجأنا إلى من بيده نواصي الخلائق واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق وفسحنا مجال الأمل في ذلك الميدان المتضايق وأخلصنا لله مقيل العثار ومولـى أولـي الاضطـرار قلوبنـا ورفعنـا إليـه أمرنـا ووقفنـا عليه مطلوبنا ولم نقصر ذلك في إبرام العزم واستشعار الحزم وإمداد الثغور بأقصى الإمكان وبعـث الجيـوش إلى ما يلينا من بلاده على الأحيان فرحم الله انقطاعنا إلى كرمه حين لجأنا إلى حرمه فجلا بفضلـه سبحانـه ظلـام الشـدة ومـد علـى الحريـم والأطفـال ظلـال رحمتـه الممتـدة وعرفنا عوارف الصنع الذي قدم به العهد على طول المدة ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف الركاب واحتشاد الأحزاب وأظهر فينا قدرة ملكه عند انقطاع الأسبـاب واستخلص العباد والبلاد من بين الظفر والناب فقد كان سد المجاز بأساطيله وكاثر كلمة الحق بأباطيلـه ورمـى الجزيـرة الأندلسية بشوبوب شره وصيرها فريسة بين غربان بحره وعقبان بره فلم يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرفقة إلا على الخطر الشديد والإفلات من يد العدو العنيد مع توفر العزائم - والحمد لله - على العمل الحميد والسعي فيما يعود على الدين بالتأييد. وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد وكلب الأعداء عليه يبرق ويرعد واليأس والرجاء خصمان هذا يقرب وهذا يبعد إذ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة وحل تلك العزمة وموت شاة تلك الرقعة وإبقاء الله على تلك البقعة وأنه سبحانه أخذ الطاغية أكمل ما كان اغتراراً وأعظم أنصاراً وزلزل أرض عزه وقـد أصابـت قـراراً وأن شهـاب سعـده أصبـح آفـلاً وعلـم كبره انقلب سافلاً وأن من بيده ملكوت السموات والأرض طرقه بحتفه وأهلكه برعم أنفه وأن محلته عاجلها التباب والتبار وعاثت في منازله النار وتمخض عن سوء عاقبته الليل والنهار وأن حماتها يخربون بيوتهم بأيديهم وينادي بشتات الشمل لسان مناديهم وتلاحق بنا الفرسان من جبل الفتح: المعقل الذي عليه من عناية الله رواق مضـروب والربـاط الـذي مـن حاربـه فهـو المحروب فأخبرت بانفراج الضيق وارتفاع العائق لها عن الطريق وبرء الداء الذي أشرق بالريق وأن النصـارى دمرهـم اللـه جـدت فـي ارتحالهـا وأسرعـت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها وسمحت " للسهب " والنهب والنار بأسلابها وأموالها فبهرنا هـذا الصنـع الإلهـي الـذي مهـد الأقطار بعد رجفانها وأنام العيون بعد سها أجفانها وسألنا الله أن يعيننا علـى شكـر هـذه النعمة التي إن سلطت عليها قوى البشر فضحتها ورجحتها وأو قيست بالنعم فضلتها ورأينا سـر اللطائـف الخفيـة كيـف سريانه في الوجود وشاهدنا بالعيان أنوار اللطف الإلهي والجود وقلنا إنما هو الفتح الأول شفع بثان وقواعد الدين الحنيف أيدت من صنع الله ببيان. اللهم لك الحمد على نعمك الباطنة والظاهـرة ومننـك الوافـرة أنـت ولينـا فـي الدنيـا والآخـرة وأمرنـا للحيـن فقلـدت لبـات المنابـر بهـذا الخبـر وجليـت فـي جماعـات المسلمين وجوه هذا الفتح الرائق بالغرر وعجلنا تعريفكم به ساعة استجلائه وتحقق أنبائه لتسحبوا له أثواب الجـذل ضافيـة وتردوا به موارد الأمل صافية فأنما هو ستر الله شمل أنفسكم وحريمكم وأمانة كفل ظاعنكم ومقيمكـم فقرطـوا بـه الـآذان " وبشـروا بـه الإقامـة والـأذان " وتملـوا بالعيـش فـي ظلـه وواظبـوا حمـد اللـه ولي الحمد وأهله وانشروا فوق أعواد المنابر مـن خطابـه رايـة ميمنونـة الطائـر واجعلـوا هـذه البشارة سجلاً في فرقان البشائر فشكر الله سبحانه يستدعي المزيد من نعمه ويضمن اتصال كرمه وعرفوا بذلك من يليكم من الرعية ليأخذ مثل أخذكم ويلحظ هذا الأمر بمثل لحظكم فحقيق عليكم أ تشيدوا بهذا الخبر في الحاضر والباد وتجعلوا يوم عاشوراء الذي تجلى فيه هـذا الصنـع ثالـث الأعيـاد والله سبحانه يجعله للمسرات عنواناً ويطلع علينا وعليكم وجوه صنعه عراً حساناً والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ " أما بعد " والرسم فيه ا يقال أما بعد حمد الله أو أما بعد فالحمد لله ويؤتـى بخطبـة. ثـم يقـال: فإنـا كتبناه إليكم من موضع كذا كتب الله لكم كذا وكذا ثم يتخلص إلى المقصودويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر من الأندلس. أمـا بعـد حمـد اللـه محسـن العواقـب ومخلـد المناقـب ومعلـي المراقـي في درج علية المراقب ومسخـر النجـم الثاقـب فـي الغسـق الواقـب والكفيـل بالحسنـى للتوكـل عليه المراقب ناسخ التمحيص بالعناية والتخصيص لتظهر حكمة المثيب والمعاقب. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الماحي الحاشر العاقب ذي القدر المسامي للزهر المصاقب. والرضا عن آله الذين كانوا في سماء ملته لهداية أمته كالشهب الثواقب فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم تولي المواهب ووضوح المذاهب ووقوف الدهر لديكم موقف الثائـب مـن القدح النائب ووالى لديكم مفاتحة الكتب المهنئة بفتوح الكتائب - من حمراء غرناطة - حرسهـا اللـه - وفضل الله بتعرف صنعه لكم هامي السحائب وكفيل بنيل الرغائب والسرور بما سناه الله لكم من استقامة أحوالكم شأن الشاهد والغائب والرائح والآئب. والحمد لله على ما توالى من الألطاف والعجائب. وقد وصـل كتابكـم الـذي أكـد السـرور وأصله وأجمل مقتضى البشرى وفصله ونظم خبر الفتح ووصله وراش سهم السعادة والسداد والعناية والإمداد ونصله وأحرز حـظ السعـاة وحصلـه تعرفـون مـا أتـاح لكـم اللطيـف الخبيـر والولي النصير من الصنع الذي ابتسق نظامه والنصر الذي سنت في أم الكتاب أحكامه والعز الذي خفقت أعلمه والتوفيق الذي قرطست الغرض سهامه وأنكم من بعد الكائنة التي راش لطـف اللـه بها وجبر وأحسن الخير وأدال الخبر وجعل العاقبة الحسنى لمن صبر وجهزتم الجيوش المختارة والعساكر الجرارة يقودها الخلصان من الـوزراء وتتقـدم رايتهـا ميامـن الـآراس فكتـب الله ثبات أقدامها وتولي نصر أعلامها ولم يكن إلا أن حمي وطيـس النـزال ورجفـت الـأرض لهول الزلزال وتعوطيـت كـؤوس الآجـال فـي ضنـك المجـال ودجـا القتـام وتوهـم مـع فضـل اللـه الاغتنـام وعبـس الوجـه العبـاس وضحـك النصـل البسـام وأورد الخيـل مـوارد الطعان الإقدام فكان لحزبكم الظهور الذي حكم المهندة في الرقاب والسمر الطوال في الثغر ثم في الأعقاب وبشرت برؤية هلال الفتح عيون الارتقاب وحط عن الصنع الجميل ما ران من الناب وأن من بغى عليكم حسب ما قررتم وعلى نحو ما أجملتم وفسرتم من شيوخ الغرب المجلبة ووجوه الخدم المنتمية إلىحسن العهد المنتسبة تحصل في حكم استرقاقكم وتحت شد وثاقكم وربما أسف المكروه عن المحبوب وانجلى المرهوب عن المرغوب والله مقلب القلوب وشيمتكم في ائتلاف النافر والأخذ من فضل العفو بالحظ الوافر كفيل لكم بالصنع السافر والله يحملكم على ما فيه رضاه ويخير لكم فيما قضاه فسررنا بما اتصل لكم من الصنع واطرد ورحبنا بهذا الوارد الكريم الذي ورد وشكرنا فضلكم فـي التعريـف بخبـره المـودود والشـرح لمقامـه المحمـود وكتبنا نهنئكم به هناء مشفوعاً وبالدعاء لكم متبوعاً والله يطلع من توالي مسرتكم على ما يبسط الآمال وينجح الأعمال ويفسح في السعد المجال. والذي عندنا من ودكـم أعظـم مـن استيفائـه بالمقـال أو نهـوض اليـراع بوظائفـه الثقـال يعلـم ذلك عالم الخفيات والمجازي بالنيات سبحانه. والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الطرف الثاني عشر في الكتب الصادرة عن وزراء الخلفاء المنفذين أمور الخلافة اللاحقين بشأو الملوك وفيه جملتان مكاتبات وزراء خلفاء بني العباس أما وزراء إقطاعاتها فقد ذكر أبو جعفر النحاس في " صناعة الكتاب " أن المكاتبة من الوزير إلى الخليفة في زمانه كانت: " أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأعزه وأيده وأتم نعمته عليه وأدام كرامته له ". قال ابـن حاجـب النعمـان فـي " ذخيـرة الكتـاب ": وإن كانـت المكاتبـة مـن الوزيـر إلـى مـن دونـه فدعـاؤه له: " أطال الله بقاءك وأدام تأييدك وتمهيدك وكرامتك ". ودونه " أطال الله بقاءك وأدام عزك وحراستـك ". قـال: وعلـى مقـدار المكاتـب يكـون الدعـاء. وأقسامـه كثيـرة. ثـم ذكر الأدعية العامة بعد ذلك على الترتيب فقال: إن أعلاها يومئذ " أطال الله بقاءه وأدام تمكينه ورفعته وبسطته وعلوه وسموه وكبت أعداءه وحسدته ". ودونه " أطال الله بقاه وأدام تمكينه وارتقاه ورفعته وسنـاه وتمهيـده وكبـت أعـداه ". ودونـه " أطـال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه وكبت أعداه ". ودونه " أطـال اللـه بقـاه وأدام تأييـده وحـرس حوبـاه ". ودونـه " أطـال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه ". ودونه " أطال الله بقاءه وأدام نعماءه ". ودونـه " أطـال اللـه بقـاءه وأدام عـزه ". ودونـه " أطـال اللـه بقـاءه وأدام توفيقـه وتسديده ". ودونه " أطال الله بقاءه وأدام سداده وإرشاده ". ودونه " أطال بقاءه وأدام حراسته ". ودونه " أدام الله تأييده وتمهيده ". ودونه " أدام الله توفيقه وتسديده ". ودونه " أدام اللـه عـزه وسنـاه ". ودونـه " أدام اللـه عـزه ". ودونـه " أدام اللـه حراستـه ". ودونه " أدام الله كرامته ". ودونـه " أدام اللـه سلامتـه ". ودونـه " أدام اللـه رعايتـه ". ودونـه " أدام الله كفايته ". ودونه " أبقاه الله ". ودونه " حفظه الله ". ودونه " أعزه الله ". ودونه " أيده الله ". ودونه " حرسه الله ". ودونه " أكرمه الله ". ودونه " وفقه الله ". ودونه " سلمه الله. ودونه رعاه الله ". ودونه " عافاه الله ". ثم المكاتبات الصادرة عنهم على أسلوبين: الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ " كتابي " والرسم فيه أن يقال كتابي - أطال الله بقاء سيدي أو بقاء مولانا - والأمر على كذا وكذا ومولانـا أميـر المؤمنيـن أو والجانـب الأشرف ونحو ذلك على حال كذا ثم يتخلص إلى المقصد بعد ذلك بما يقتضيه المقام ويختم بقوله ورأي حضرة سيدنا أعلى. كمـا كتـب بعـض الكتـاب عـن الوزيـر قوام الدين بن صدقة إلى بعض وزراء ملوك زمانه في معنى أمير مكة المشرفة وما كان بينه وبين أمير الحاج في بعض السنين ما صورته: كتابـي - أطـال اللـه بقـاء حضـر سيدنـا - ومواهـب اللـه سبحانـه في أمر مولانا أمير المؤمنين جارية على الإرادة مقابلة بالشكر المؤذن لها بالدوام والزيادة والحمد لله رب العالمين. وقد تتابعت المكاتبـات فـي أمـر النوبـة المكية تتابعاً علمه السامي به محيط والعذر في الإضجار بها مع إنعام النظر بسببها مبسوط وبعد ما صدر آنفاً في المعنى المذكور وصل كتاب زعيم مكة بما نفذ علـى جهتـه ليعلـم منـه وممـا لا ريب أنه أصدره إلى الديوان العالي السلطاني - أعلاه الله - حقائق الأحوال بغيـر شـك: أنـه قـد اتضـح تفريـط مـن فـرط فـي هـذه النوبـة وعجـل وتحقـق المثـل السائـر " رب واثـق خجـل " وأسبـاب ثمـرة الهـوى الـذي مـا زال يجمـح براكبـه ويريه سوء عواقبه وعلم أنه لم يخط فيما شرع فيه واستمرت علـى الخطـأ أواخـره ومباديـه إلا بوعـد أخلـف ومـال أتلـف وخطـر ارتكب وصواب تنكب وحزم أضيع وهوى أطيع حتى كان قصاراه دفع اللائمة عنه فإنـه أوصـل الحجيـج إلـى مقصودهـم وأعادهـم وأحسـن التواصل حتى أدركوا من أداء الفريضة مرادهم وهل اعترض دون هذا الأمر مانع أو كان عنه دافع لولا ما صوره من الأسباب التي أفسد بها الأمور وأوغر بمكانها الصدور وكفل بعد ما قرره من ذلك ومهده ما عكسه سفه الرأي عليه وأبعده العجز عن الوصول إليه وأي عذر في هذا المقام يستمع أم أي لائمة عنه تندفع وقد جرت الحال على ما علم وتحدث بانخراق حجاب الهيبة كل لسان ناطـق وفـم ووقـع الاتفـاق من كافة الحاج على أن تمسك نائب مكة بطلب الرضا وتكفيل خصمه باستدراك مـا تلـف منـن التفريـط فـي معايشـه ومضـى ونظـره فـي العاقبـة التي ينظر فيها ذوو الألباب وعمله بما أصدره الديوان العزيز من مكاتبة أمر فيها بالطاعة وخطـاب وهـو الـذي لـأم النوبـة وشعبهـا وسهل عسيرهـا ومستصعبهـا ولـو افتقـرت إلـى سعـي أميـر الحـاج واجتهـاده وإبراقـه بعسكـره وإرعاده لكان الحج ممتنعاً والخطر العظيم متوقعاً ولم يحصل الوفد إلا علـى التغريـر بالنفـوس والجـود منهـا بكـل مضنـون به منفوس ثم عرب الطريق الذي ما زال أمير الحاج في حقهم خاطباً ولإكرامهم بالقول المتكرر طالباً وجاعلاً ما لعله يتأخر من رسم أحدهم من دواعي الخطر في سلـوك " الطريق " المردية وموجبات الفساد في المناهل والأودية يتلو من النهب والاجتياح والأذى العائد على فاعله بالاقتراف العظيم الوزر والاجتراح بما يؤلم شجاعة القلوب ويحرقها ويبكي العيون ويؤرقها ولقد انتهى أن العسكر المنفـذ أمامـه كـان يتنقـل فـي هضـاب البريـة وغيطانهـا وينقب عن منازل العرب وأوطانها فيستقري أحياءهم حياً فحياً ويتخلل الفجاج فجاً ففجاً فـإذا شارفـوا قبيلـة منهـم طلـب النجـاة منهـم بالحشاشـات رجالهـا وأسلمت إليهم نساؤها وأطفالها وأموالها فيتحكمون في ذلك تحكم من استحل موقفه في إباحة محارم الله ومقامه وأمـن مكـره الحائـق بالظلمين وانتقامه ويستبيحون حريم كل بريء غافل لم يقارف ذنباً وطائف لا يستحق غارة ولا نهباً فأين كان " من " النظر عند هذا الفعل في حفظ عرب الطريق وكيف عزب عنه في هذا الرأي منهج التوفيق وهل تتصور الثقة بكل قبائل العرب عن إفساد الآبار والمصانع والعبث بكل مستطاع في المناهل والمشارع خاصة إذا علموا أن الذي ظلمهم وأباح حرمهم هو السالك للطريق آنفاً والمتمكن فيهم من معاودة الأذى الذي أضحى كل به عارفاً واستـدراك الفـارط فـي هـذا الأمـر المهـم متعيـن ووجـه الرأي فيه واضح متبين والإشارة في كتاب زعيم مكة إلى ما جرى من المعاهدة واستقرت القاعدة عليه " من " إعادة ارتفاعه المأخوذ ورسومه على التمام والكمال إليه أدل الأدلة على بعد النوبة من الالتئام ودخول الخلل عليها وانحلال النظام وتعذر الحج في المستقبل. على أن من أفسدها لم يتأمل لنفسه طريق الصدر حين أوردها والألمعية السامية المعزية حرس الله عزهـا اللامحـة ببديهتهـا العواقـب المستشفعـة سرائرها بالرأي الثاقب أهدى إلى تدبيرها بما يستدرك الفارط ويتلافى غلط الغالط ويعيد الأحوال إلى جدد الصلاح وسننه ويجريها على أجمل قانون مألوف وأحسنه وما أولاه بالتقديم فـي هـذا المهـم الـذي لا أحـق منـه بالاهتمـام والجـد الصادق التام بما تطمئن به النفوس إلى صلاحه وانتظامه وارتفاع كل مخشي من الخلل الداخل عليه وانحسامـه والإعلـام فـي الجـواب بمـا يقـع السكون إلى معرفته ويحصل الأنس والشكر في مقابلته ورأي حضرة سيدنا أعلى إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار مثل أن يقال: أصدرت هذه المكاتبـة أو هـذه الجملـة والأمـر علـى كـذا وكـذا بعـد أن يدعـى للمكتـوب إليـه بعـد لفـظ الإصـدار ثـم يتخلص إلى المقصود بما يليق بالمقام ويؤتى على القصد إلى آخره ويختم بقوله: ورأي حضرة سيدنا أعلى. كما كتب عن الوزير قوام الدين بن صدقة أيضاً إلى ملك سمرقند جواباً عن كتاب وصل منه إليه: أصـدرت هـذه الجملـة - أطـال اللـه بقـاء حضـرة مولانـا - ومواهـب اللـه سبحانـه فـي الجنـاب الأشرف - لا زالت مطالع سعوده منيرة وأعواد علائه مورقة نضيرة - آهلة الربوع عذبة الينبوع قارة لا يظعن ركبها دارة لا يعز حلبها والحمد لله رب العالمين. ووصل كتابه أدام الله علوه الصادر على يد الشيخ الأجل العالم أبي الحسن بن علبك ووقفت عليه وعرفت فحـواه وتضاعـف الشكـر للـه سبحانـه بمـا حـواه مـن اطـراد الأمـور واتساققهـا وطلوع شمس النجح في سماء مباغيه وإشراقها وأحدث ابتهاجاً بوروده متوفراً واغتباطاً بما أولاه جلت آلاؤه من صنعه الذي أصبح ذنب الأيام معه مغتفراً وعرضت خدمته المقترنة به علـى مجالـس العـرض الشريفـة قدسهـا اللـه مشفوعـة بذكر ما لبيته الكريم وسلفه الزاكي الأرومة من المآثـر التـي أضحـى بهـا فـي الفخـر علمـاً وعلـى ناصيـة المجـد محتويـاً محتكمـاً فـي ضمن إيضاح المحاسن التـي أصبـح أيـد الله سموه بها منفرداً ولنجاد المحامد بحسبها مقلداً والمواقف في الطاعة الإمامية التـي أصبحـت غـرة فـي جبهة الزمان ولم يسع في مثلها لغيره قدمان وانتهت في تمكين القواعد وتوطيدها وتأكيد الأحوال وتمهيدها والتجرد في تحصيل الأرب وتيسير المطلب إلى ما يوجبه الود المحصف الأمراس والمصافاة الخالصة من الشوائب والأدناس فأنست في مقابلـة ذلـك مـن الالتفات إلى ما أوردته مما يبين عن لطف مكاتبته بالموقف الأشرف ويعـرب ويصفـو مـورد الفخار بمثله ويعذب وجدد من التشريف والزيادة فيه ما يوفي على الذي تقدمه قدراً ويجل طوقه عن أن يرضى عمراً وشفع ذلك بتنفيذ التشريفات لولده أيد الله علوه والمطيفين بحضرته واللائذين بحوزته وابتدائهم بالإحسان والإنعام والتكرمة الموفية على المرام إكباراً لشأنه وإبانـة عن محله من الآراء الشريفة ومكانه وإيثاراً لإعظام أمره وإعلاء قدره ليعلم - أيد الله علوه - مكان التجرد في هذه الحال وصدق السعي الذي افترت ثغوره عن نجح الآمال وأرجو أن يصادف حسن المقام في ذلك عنده موقعه ويلقى لديه اعترافاً يوافق مرآه مسمعه. فأما الإشارة إلى المشار إليه في التوزع لتلك الهنات الجارية التي ما زالت الأيام بمثلها جائية والاسبتشار بزوال ما عرض واضمحلاله وعود الرأي الأشرف إلى أكمل أحواله وقد عرفها بمزيـد الاعتـداد والشكـر قائلهـا ولـم يكـن الـذي جـرى ممـا يشعـب فكـراً أو يتـوزع سراً فإن الاعتـداد الأشـرف كـان بحمد الله محفوظاً والاجتهاد في الخدمة بعين الاعتراف والرضا ملحوظاً لـم تحلـه حال متجدده ولا رتعت الحوادث مورده وما زالت ثغور الأيام في كل وقت عن الزيادة باسمـه وسحبـه بنجـح اشتطـاط الآمـال ساجمـه والمنـدوب لتحمـل المثـال ومـا يقتـرن بـه من التشريف فلان وهو من أعيان العلماء ومن له في ميدان السبق شأو القرناء وله في الدار العزيـزة مجدهـا اللـه الخدمـة الوافية والمكانة الوافرة وما زالت مذاهبه في خدمه حميدة ومقاصده على تقلب الحالات مرضية سديدة وجدير بتلك الألمعية الثاقبة أن تتلقى ما يورده بالإصغاء وتقابل النعم المسداة إليه بالشكر الماطر الأنواء وتوقظ ناظر اهتمامه للنهوض بأعباء الخدمة الإمامية وحيازة المراضي المكرمة النبوية وتمهي عزيمتها فيما يكون بالإحماد الأشرف محظياً ولأمثال هذا العرف المصنوع مستدعياً ولرأي حضرة سيدنا في ذلك علو رأي إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء الفاطميين بالديار المصرية مكاتبات وزراء الخلفاء الفاطميين فقـد ذكـر علـي بـن خلـف مـن كتـاب دولتهـم فـي كتابـه " مـواد البيـان " أنـه إذا كانـت المكاتبـة مـن الوزيـر إلى من دونه تكون بغير تصدير إلا أن الخطاب فيها يجب أن يبنى على أقدار المخاطبين في والـذي وقفـت عليه منه أسلوب واحد: وهو أن يفتتح الكتاب بلفظ " كتابنا والأمر على كذا " ويتعرض فيه لذكر حال الخلافة والخليفة ثم يتخلص إلى المقصود بما يقتضيه الحال ويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء. كمـا كتـب القاضـي الفاضـل عـن بعـض وزراء العاضـد: آخـر خلفائهـم إلى بعض الملوك ما صورته: كتابنا - أطال الله بقاء الملك - عن مودة ظاهرة الأسباب متظاهرة الأنساب ضافية جلباب الشباب وعوائد عوارف لا يتنكر معروفها ووفود فوائد لا يتصـدع تأليفهـا ومساعـي مساعـد لا ينقص معروفها ولا ينفض مسوفها وسعادة بالخلافة التي عدق إليـه أمرهـا وأوضـح سرهـا وملأ سرائرها وسريرها وأطلع شمسها وقمرها. بمولانا وسيدنا أمير المؤمنين تتوالى ميامنهـا وتتلـألأ محانسهـا وتشـرف درجاتهـا وتتضاعـف سعادتهـا والكلمـة قائمـة علـى أصولها وأمور الخلق جارية على ما هو لها نظام الإسلام بسياستها لا يهي وسياقة الدوام في سعادتها لا تنتهي والله الموزع شكر هذه المنن المسؤولة في الإنهاض لما نهضت فيه النية وقصرت عنه المنن ولم نزل - أدام الله إقبال الملك المعظم - معظمين لأمره عارفين نبل قدره وجليل فخره مشيدين بجميل ذكره وجزيل نصره معيدين لما تتهادى الألسن من مستطاب نشره قارئيـن مـن صفحات الأيام ما أمدها به من بشره غير مستيمنين لذكر اسمه الكريم إلا بصيامه وشكره مورديـن ممـا هـو يبلغـه مـن بـارع ضرائبـه بالمقامـات الشريفـة مـن آثـار سلفـه ومآثرهـم ومأثور مكارمهم ومفاخرهم واستناد المكرمات إلى أولهم وآخرهم ومشهور ذبهم عن الملة ودفاعهم عن أهل القبلـة وسدادهـم فـي الأمـور وسدادهـم فـي الأمـور وشدادهـم الثغـور وسيادتهـم الجمهور واستقلالهم بالمشقات المتقدمة وإخمادهم أمـور الدولـة العلويـة التـي اشتهـر بهـا منهـم الأكابر وورثها كابـر عـن كابـر وحافظـوا منهـا علـى سيـرة معـروف لا ينسـخ وعقـد صفـاء لا يفسخ وسريرة صدق تستقر في الضمائر وترسخ وتتوضح بها غرة في جباه السبق وتشدخ وتستهدي عند إيراد هذا الذكر العطر والثناء المشتهر من الدعوات الشريفة العاضدية بالنجح المتوضحة عن مثل فلق الصبح وما يتهلل لمساعيه بالميامن المستهلة ولمراميه بالإصابة المتصلة بينـه وبيـن هذه الدولة العالية والخلافة الحالية بكتاب منه نهجنا فيه طريقها اللاحب واستدعينا به إجابته التي تتلقى بالمراحـب وأعلمنـاه أن تمـادي الأيـام دون المراسلـة وتطاولهـا وتنقـل الأحوال والدول وتناقلها لا يزيد مودته إلا استحكام معاقد وانتظام عقائد ووفاء مواعد وصفاء موارد وأنه لا تباعد بيـن القلـوب بغـرض المرمـى المتباعـد ولا تفـرق المسافـات القواصي ما بين النيات القواصد. فلما تأخرت الإجابـة تقدمـت الاسترابـة وتناجـب الظنـون المعتلجـة وتراجعـت الـآراء المختلجـة بأن الرسول عاقته دون المقصد عوائق وتقسمته من الأحداث دون الطريق طرائق فلم ترد المكاتبة إلى جنابه ولا أسعد السعي بطروق جنابه الذي تنال السعادة وتجنى به وإلا فلو أنـه أم لـه بلـغ مـا أملـه ولـو وصلـه لأجـاب عمـا أوصلـه لـأن مكارم خلائقه تبعث على التبرع بالمسنون فكيف بقضاء المفـروض وشرائيـف طرائقـه تأبـى للحقوق الواجبة أن تف لديه وقف المطرح المرفوض. فجددنا هذه المكاتبة مشتملة على ذلك المـراد وفاوضنـاه بمـا يعيـره الإصغـاء ويجنبـه الإلغـاء ويحسـن لـه الإنصـات ولا يحتـاج فيه إلى الوصات ورسمنا أن يكتمه حتى عـن لسانـه وأن يطويـه حتـى عـن جنانـه وأن يتمسـك بالأمـر النبـوي في استعانته على أمره بكتمانه فمن حسن الحزم سوء الظن وهل لأرباب الأسرار فرج إلا ما دامت في السجن وقد استلزمنا المرتهن لما استعظمنا الرهن وفوضنا إلى من لا يعترينا فيـه الوهـم ولا منـه الوهـن ونحـن تحببنـا بمـا يعلـم به حسن موقع رسالة الاسترسال وبما يبين به عن دلالة الإدلـال وبمـا يرحـب بمودتـه مجـال الجمـال واللـه سبحانـه يؤيـد الملـك بنصـر تستخـدم لـه الأقـدار وسعـادة لا تتصـرف في تصريفها أحكام الفلك المدار وإقبال يقابل آراءه وآدابه في فاتحة الورد وعاقبة الإصدار وعز لا يزال منه متوقلاً في درجات الاقتدار إن شاء الله تعالى. مكاتبات الاتباع الى الملوك وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الشرق إليهم في الزمن المتقدم مكاتبات اتباع ملوك الشرق وهي على أسلوبين الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ: " كتابي " ويدعى للمكتوب. . كذا وكذا ويتخلص إلى المقصود بما تقتضيه الحال ويخاطب السلطان في أثناء الكتاب بمولانا أو بمولانا الملك ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بتاء المتكلم ولفظ الإفراد ويختـم بقولـه: فإن رأى أن يفعل كذا فعل إن شاء الله تعالى. ويدعى للمكتوب إليه بطول البقاء مع التعرض لذكر الخليفة في أثناء الكتاب. وهـذه نسخـة كتاب من هذا الأسلوب كتب به أبو إسحاق الصابي عن أبي الفضل الشيرازي: أحد نواب بني بويه إلى عضد الدولة بن بويه في جواب كتاب وصل منه إليه يخبره بفتح خراسان وطاعة صاحبها وهو: كتابي - أطال الله بقاء مولانا - والأمور التي أخدم فيها جارية على السداد مستمرة على الاطراد والنعم في ذلك خليقة بالتمام مؤذنة بالدوام. والحمد لله حق حمده وهو المسؤول إطالة بقاء موالينا الأمراء وحراسة ما خولهـم مـن العـز والعلاء وأن لا يخليهم من صلاح الشان وسمو السلطان وظهور الولي وثبور العدو. ووصل كتاب مولانا " الأمير أطال الله بقاءه " الصادر من معسكره المنصور بكازرين بتاريخ كـذا مخبـراً بشمـول السلامـة مبشـراً بعمـوم الاستقامـة موجبـاً لشكـر مـا منـح اللـه من فضله وأعطى مقتضياً " نشر " ما أسبغ من طوله وأضفى مشروحاً في الحال فيما كان يجري من الخلـاف بيـن مولانـا الأميـر السيـد " ركـن الدولـة " وبيـن ولـاة خراسـان وجهاده إيهام في حياطة الدين وحماية حريم المسلمين والدعاء إلى رضا رب العالمين وطاعة مولانا أمير المؤمنين وتذممه مع ذلك من دماء كانت باتصال الحروب تسفك وحرمات باستمرار الوقائع تنتهك ثغور تهمل بعد أن كانت ملحوظة وحقوق تضاع بعد أن كانت محفوظة وأنه لمـا جـددت العزيمـة علـى قصـد جرجـان ومنازعـة ظهير الدولة أبي منصور بن وشمكير مولى أمير المؤمنين " على تلك الأعمال ودفعه عما ولاه أمير المؤمنين " بوسيلة موالينا الأمراء أدام الله تمكينهم منها ومنازعته ومجاذبته فيهـا نهـض مولانـا " الأميـر الجليـل عضـد الدولـة " إلـى كرمـان علـى اتفـاق كـان بيـن مولانا الأمير السيد ركن الدولة وبينـه فـي التوجـه إلـى حـدود خراسـان فحيـن عـرف القـوم الجـد فـي ردهـم والتجريـد فـي صدهم وأنه لا مطمع لهم في جنبة إلى طاعة أمير المؤمنين انتسابها وبذمام سادتنا الأمراء اعتصامها اتعظوا واتزعوا وعرجوا ورجعوا سالكين أقصد مسالكهم منتهجين أرشد مناهجهـم معتمديـن أعـود الأمـور علـى المسلمين عموماً وعليهم خصوصاً باجتماع الشمل واتصـال الحبـل وأمن السرب وعذوبة الشرب وسكون الدهماء وشمول النعماء فخطبوا الصلـح والوصلـة وجنحـوا إلى طلب السلم والألفة وأن مولانا " الأمير عضد الدولة " آثر الأحسن واختـار الأجمـل: فأجـاب إلـى المرغـوب فيـه إليـه وتوسـط مـا بيـن الأميـر السيـد ركـن الدولـة وبين تلك الجنبـة فيـه وتكفـل بتقريـره وتمهيـده وتحقق بتوطيده وتشييده وأخرج أبا الحسن عابد بن علي إلى خراسان حتى أحكم ذلك وأبرمه وأمضاه وتممه بمجمع مـن الشيـوخ والصلحـاء ومشهـد مـن القضاة والفقهاء وأن صاحب خراسان عاد على يد مولانا " الأمير عضد الدولة " إلى طاعة مولانـا أميـر المؤمنيـن ومشايعتـه والإمسـاك بعلائق ولائه وعصمته وصار ولياً بعد العداوة وصديقاً بعد الوحشة ومصافياً بعد العناد ومخالطاً بعد الانفراد وفهمته. وتأملت - أيد الله مولانا - ما في ذلك من ضروب النعم المتشعبة وصنوف المنح المتفرعة العائدة على الملـك بالجمال وعلـى الرعيـة بصلـاح الحـال الداعيـة إلـى الائتلـاف والاتفـاق المزيلـة للخلـاف والشقـاق فوجدت النفع بها عظيمـاً والحـظ فيهـا جسيمـاً وحمـدت اللـه حـق حمـده عليهـا وشكرتـه أن أجراها على يد أولى الناس بها وأحقهم بالمكارم أجمعها وأن قرب الله بيمنه " ما كان بعيداً معضـلاً ويسر ببركته " ما كان ممتنعاً مشكلاً فأصلح ذات البين بعد فسادها وأخمد نيران الفتن بعد تلهبها واتقادها ووافق ما بين نيات القلوب وطابق بين نخائـل الصـدور وتحنـت الضلـوع بنجـح سعيـه على التآلف وانضمت الجوانح بميمون رأيه على التعاطف وحصل له في ذلك من جزيـل الأجـر وجميـل الذكـر وجليـل الفخـر وأريـج النشـر مـا لا تـزال الـرواة تدرسـه والتواريخ تحرسه والقرون تتوارثه والأزمان تتداوله والخاصة تتحلى بفضله والعامة تأوي إلى ظله. فالحمد لله كثيراً والشكر دائماً على هذه الآلاء المتواترة والعطايا المتناصرة والمفاخـر الساميـة والمآثر العالية وإياه أسأل أن يعرف مولانا الملـك الخيـرة فيمـا ارتـآه وأمضـاه والبركـة فيمـا أولـاه وأجراه وأن يهنئه نعمه عنده ويظاهر مواهبه لديه ويسهل عليـه أسبـاب الصلـاح ويفتـح أمامـه أبـواب النجـاح ويعكـس إلـى طاعتـه الرقـاب الآبيـة ويذلـل لموافقتـه النفوس النائية ولا يعدمه وموالينا الأمراء أجمعين المنزلة التي يرى معها ملوك الأرض قاطبة التعلق بحبلهم أمناً والإمساك بذمامهم حصناً والانتماء إلى مخالطتهم عزاً والاعتزاء إلى مواصلتهم حرزاً إنه جل وعز على ذلك قدير وبإجابة هذا الدعاء جدير. وقد اجتهدت في القيام بحق هذه النعمة التي تلزمني وتأدية فرضها الذي يجب علي: من الإشادة بهـا والإبانـة والإشاعـة والإذاعـة حتـى اشتهـرت فـي أعمالـه التـي أنـا فيهـا واستـوى خاصتها وعامتها في الوقوف عليها وانشرحت صدور الأولياء معها وكبت الله الأعداء بها واعتددت بالنعمة في المطالعة بها والمكاتبة فيها وأضفتها إلى ما سبق من أخواتها وأمثالها وسلف من أترابها وأشكالها فإن رأى مولانا الأمير الجليل عضد الدولة أن يأمر أعلى الله أمره بإجرائي على أكرم عاداته فيهـا واعتمـادي بعـوارض أمـره ونهيـه كلهـا فـإن وفـور حظـي مـن الإخلاص يقتضي لي وفور الحظ من الاستخلاص فعل. إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بالإصدار مثل: أصدر الخادم أو العبد ونحوه ويؤتـى بالصـدر إلـى آخـره ثـم يتخلـص إلـى المقصـود بمـا يقتضيه المقام ويختم بقوله: وللرأي العالي مزيد من العلو ونحو ذلك. كما كتب عن بعض وزراء الراشد أو المسترشد إلـى السلطـان سنجـر السلجوقـي فـي حـق قطـب الديـن أبـي منصـور أزدشيـر العبـادي: وقـد ورد إلـى أبـواب الخلافة ببغداد رسولاً وكان أبوه وخاله وسلفه من أهل العلم والزهد وهو من الفصحاء البلغاء ما صورته: أصدر خادم المجلس العالي هذه الخدمة عن ضمير معمور بالولاء وإخلـاص دواعيـه متصلـة على الولاء وعكوف على ما يجرو بـه حصـول المراضـي العليـة والتحقـق لمشايعتـه الواضحـة شواهدها الجلية والحمد لله رب العالمين. وبعد فما زال الجناب العالـي السلطانـي الشاهنشاهـي الأعظمـي أعلـاه اللـه لكـل خيـر منبعـاً وحرمـه الآمـن للفوائد الجمة مغاثاً ومربعاً والسعادة والتوفيق مقرونين بسامي آرائه مطيفين به منن أمامـه وورائـه فـي كـل رأي يرتئيـه ومقـرب يصطفيـه وامـرئ يتخيـره ويقلـده وأمـر يحلـه ويعقـده وصنع جميل يصيب من الاستحقاق موضعه ويعيد طيب الذكر مجهزه ومبضعه مناقب تفوت الإحصـاء عـداً وتـرد مـن مفاخـر الوصـف منهـلاً عذبـاً وتسيـر بذكرهـا الرفـاق غـوراً ونجـداً وتجاوز غايات المدح علاء ومجداً وكفى على ذلك دليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً ما اقتضته الـآراء العلية من التعويل على فلان العبادي في تحمل الرسالة الأعظمية التي عدقت منه بالنقي الجيب البريء من العيب العاري من دنس الشك والريب فإن اختياره لهذا الأمر طبق مفصل الصواب ولشاكلة رمي الرأي أصاب إذ هو الفذ في علمه وفضله السديـد فـي قولـه وفعلـه البارع في إيجاز الخطاب وفصله المعرق في الزهادة والديانة المزينين لفرعه وأصله. ولما وصل إلى الأبواب العزيزة الإمامية - ضاعف الله تعالىمجدها - مثل بالخدمة مؤدياً مـن فرضهـا ممـا يلزم أمثاله من ذوي العقائد الصحيحة والموالاة المحضة الصريحة وصادف من التكرمة والإنعام ما يوجبه له محله من العلم الـذي لا تكـدر الـدلاء بحـره ولا تـدرك الأرشيـة بطولها قعره فهو فيه نسيج وحده وناسج برده وناشر علمه ومستغزر ديمه. وألقى من ذلك مـا يقتضيـه اختبـار أحوالـه الشاهـدة بأنه ممن أصحب في يده قياد الفصاحة الأبي وملكته زمامها الممتنـع علـى مـن عداه العصي وجمع له من الفضائل ما أصبح في سواه متفرقاً وخير له منها ما جعل جفن حاسده لفرط الكمد مؤرقاً إلى ما زان هذه الخصائص التي تفرد فيها وبرع وطال مناكب الأقران وفرع: من الإخلاص الدال على تمسكه بحبل الدين المتين واستمراره على جدده الواضح المبين وفصل عن الأبواب العزيز فائزاً من شرف الإرعاء ما وفر الحظوظ والأنصباء حاصلاً من حميد الآراء على أنفس العطاء وأجزل الحباء وقد تمهد له من الوجاهة والمكانة ما يفخر بمكانه وتنقطع دون بلوغ شأوه أنفاس اقرانـه ورسـم - أعلـى اللـه المراسيـم الإماميـة وأمضاها - مطالعة المجلس العالي السلطاني أعلاه الله بهذه الحال تقريراً لها عند العلم الكريم واستمداداً للطول والإنعام باختصاص قطب الدين بالاحترام الذي هو حقيق بمثله وخليق أن لا يضحى عن وارف ظله وما يوعز به من ذلك يصادف من دواعي الاستحقاق أوفاها ويرد من مناهل الذكر الجميل أعذبها وأصفاها ويتلقى من شرف المحامد بأطلفها وأحفاها وللرأي العالي علو رأي إن شاء الله تعالى. مكاتبات اتباع ملوك الديار المصرية والمختار منها أسلوبان " الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء مثـل أن يدعـى بعـز الأنصـار أو إدامـة السلطـان أو تخليـده أو إدامة بسطة السلطان أو إدامة الأيام ونحو ذلك. ويخاطب السلطان فيه بمولانا ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بالمملوك ويختم بالدعاء. وهي طريقة القاضي الفاضل ومن تلاه من كتاب الدولة الأيوبية بالديار المصرية. قـال ابـن شيـق فـي " معالـم الكتـاب ": ولا يقـال فـي مخاطبـة السلطان: سيدنا مكان مولانا وإن كان السيد من الألقاب السلطانية لأن لفظ سيدنا ممـا اصطلـح عليـه لأكابـر المتعمميـن مـن الفقهـاء والقضاء والكتاب فاجتنب في حق السلطان كي لا تقع المشاركة بينه وبين غيره في الخطاب. وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جواب كتاب ورد منه بالبشارة بفتح خلاط وهي: أدام الله سلطان مولانا الملك العادل وزاده من فضله ومـد علـى خلقـه وارف ظلـه وأظهـر بـه دينـه على الدين كله وأوضح إلى مرضاته ما يسلكه من سبله ولا عدمت يد الإسلام والمسلمين التعلق بوثيق حبله وفرج به الخطط المطبقة وفتح به البلاد المستغلقة وأخضع لطاعته الأعناق وعـم بفتوحه الآفاق ودمر الكفر بمقامه وطوى أيامهم بما ينشره ويديمه من أيامه وأنزل النصر في مواقف النزال بما ترفعه راياته من أعلامه. وقـف المملوك على ما أنعم به مولانا: من كتاب البشارة التي وصلت إلى كل قلب وسمع وأمل بهـا كـل مسلم كل خير ونفع وعلم ما وراءها من جمع شمل كان عزيز الجمع وعلم ما يتبعها من عواطـف مولانـا التـي عودها منه أكرم طبع وتحقق أن اله سبحانه قد قلد الدين منه سيفاً خلقه للوصل وخلق السيوف للقطع. وبالجملة إن الله سبحانه نظر إلى هذه الملة بنظر مولانا لها وكفالته لأهلها وسياستهم بشرف السجية وعدلها وإن كل ما اختلس الملك الناصر رحمه الله فإن الله يتمه على يديه ويجبر به تارة بصفحه وتارة بحديه ويهب له عمراً نوحياً إلى أن لا يذر على الأرض من الكافرين دياراً وإلى أن يورث الإسلام بسيفه منهم أرضاً ومالاً ودياراً وهذه مخايل لا يخلف الله بارقتها بل يـرد إلـى جهـة الكفـار صاعقتهـا فمـا يحسـب المملـوك أن جانبـاً يتلـوى علـى طاعـة مولانا ولا ينحرف ولا أن كلمة عليه بعد اليوم تختلف ولا أن ممتنعاً بالأمس يكون معه اليوم إلا أن يرضى عنه مولانا وعليه ينعطف. وعلـى هذا فالشام الفرنجي متأخذ بجناح إلى الأخذ وبقية عمر المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم لا ثمن لها والفرص تمر مر السحاب والمستعاذ بالله من حسـرات الفـوت بعـد الإمكـان وليس كل من قدر عليه أراده وعكا أقرب من خلاط وأنفع للمسلمين فتحاً وأعظم في الكفار قدحاً فوالله لئن انغلق بـاب الشـام في وجه الكفر لتنقطعن آمال أهل البحر والبر وما دام في الشام بقية من الكفر فهو يقبل الزيادة وينتظر النجدة ويؤمل الاستعادة وما كرر المملوك هذا الحديث جعلاً بما يجب في خدمـة الملوك من الأدب في أن يتكلم في القضية إلا من استشير فيها ولا يجترئ على الكلام إلا إذا كان مجيباً بما يؤمر بالإجابة عنه ولكن المملوك غلب على الصحبة وانقطع عن الخدمة وعلم أنه لو كان حاضراً لكان مولانا يبسطه ولا يقبضه ويستشف ما عنده ويستعرضه ويشفع قلبه في لسانه إذا هفا ويحمله على صفاء ضميره فيما يقوله فلا يقابل بالتكدير من صفا فقد علم الله أن المملوك يتمنى للمسلمين أن يرد عليهم حقهم وترجع إليهم بلادهم وأن تكون هذه الأمنية جارية على يد مولانا ومستفادة من عزيمته ولكن أبواب قدرة الله مفتوحة فالله يجعل منها أن يفتح على مولانا فيها بلاد الساحل وأن يأخذ للإسلام به أهبة المقيم وللمقيم أهبة الراحل وما يخلط المملوك هذا المهم بغيره طالع به ولمولانا علو الرأي. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بيقبل الأرض مصدراً بالمملوك وهي من مصطلحات الدولة الأيوبية أيضاً إذا كان المكتوب عنه دون من تقدم. كمـا كتـب القاضـي الفاضل عن نفسه إلى السلطان " صلاح الدين يوسف بن أيوب " يهنئه بمولود ولد له: المملـوك يقبـل الـأرض بالمقـام العالـي الناصـري نصـر اللـه الإسلام بمقامه وأهلك أعداء الحق بانتقامه ولا أعدم الأمة المحمدية عقد اعتزائه بكفالتها ومضاء اعتزامه. يهنئ المملوك المولى بنعمة الله عنده وعند الإسلام وأهله بمن زاده في ولده وكثره في عدده وهـو الأمير " أبو سليمان داود " أنشأ الله إنشاء الصالحين ومن الله بكمال خلقه ووسامة وجهه وسلامة أعضائه وتهلل غرته وابتسام أسرته ودل على أن هذا البيت الكريم فلك الإسلام لا يطلـع فيـه إلا البـدور كمـا دل علـى عنايـة اللـه بأبيـه فـإن الله تعالى قال: " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور " فطريق المولى هذه قد توالت فيها البشائر ونصر الله فيها بألطاف أغنت لطـف الخواطر عن قوة العساكر واشتملت عليه في الغائب من أمره والحاضر " وإن تعدوا نعمة فالحمد لله الذي جعل كتب المولى إلى أوليائه وكتبهم إليه مبتسمة عن المسار ناطقة بأطيب الأخبار منكشفة أسرارها عما يروح الأسرار وهذا الولد المبارك هو الموفي لاثني عشر ولداً بـل اثنـي عشـر نجماً متوقداً. فقد زاد الله في أنجمه عن أنجم يوسف عليه السلام نجماً ورآهم المولى يقظة ورأى ذلك الأنجم حلماً ورآهم ساجدين له ورأينا الخلق له سجوداً وهو سبحانه قادر أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدوداً. الجملة الثالثة في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الغرب إليهم مكاتبات اتباع ملوك الغرب والمختار منه أربعة أساليب الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلقب المكتوب إليه مثل: المقام أو الجناب وينعت ثم يقال: مقام فلان ثم يؤتى بالسلام ثم بالبعدية ويؤتى بخطبة ويتخلص إلى المقصد ويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كمـا كتـب ابـن البناء عن ابن خلاص إلى أمير المسلمين الواثق بالله أبي بكر بن هود في جواب كتاب ورد عليه منه ما صورته: المقـام العلـي الواثقـي المعتصمـي المبـارك السامـي السنـي معـدن الفضـل ومقره ومسحب ذيل الفخـر ومجره ومناط حمل أمانة المسلمين التي لا يحملها إلا أبلج الشرف أغره ولا يتقلد قلادتها إلا تقي المنشأ بره مقام مولانا جمال الملك وبهائـه والباعـث فـي معطفـه أريحيـة النجابـة وادهائـه الأمير الأجل المعظم المكبر الهمام المكرم المبارك الميمون السعيد الموفق الرشيد المظفر المؤيد المرفـع الممجـد ولـي العهـد وواسطـة عقـد المجـد ولملبـس سرابيـل اليمـن والسعـد الواثـق بالله المعتصم به أبي بكر ابن مولانا مجد الإسلام وجمال الأنام ومجاهد الدين سيف أمير المؤمنين المتوكـل علـى اللـه تعالى أمير المسلمين أبقاه الله وارداً من مشارع التأييد أعذبها متخولاً من صنع الله الجميل ما يسدد أبعد الأمة وأقربها ممتداً مد السعادة ما جلت غرة الفجر حندس الظلماء وغيهبها. عبد بابه الأشرف ومملوك إحسانه الأسح الأذرف مسترقه الآوي إلى ظل سلطانه الأمد الأورف الحسن بن أحمد بن خلاص. سلام الله الطيب الكريم وتحياته يعتمد الواثقي المعتصمي ورحمة الله وبركاته. أمـا بعـد حمد الله الذي له الأمر من قبل ومن بعد والصلاة على سيدنا محمد نبيه الذي ترتبت على اجتنابه الشقاوة ووجب باتباعه السعد وعلى آله وصحبه الذين ناضلوا عن ديانته حتى وضـح السنـن وبـان القصـد - والرضـا عـن خليفتـه وابـن عمـه الإمـام العباسـي أميـر المؤمنيـن أبي جعفر المنصور المستنصر بالله وارث شرفه النبوي ومجده الهاشمي بخصائصه التي لا تعفـي أنوارهـا الأبكار ولا يطمس آثارها الحجر. وعن مولانا مجد الإسلام جمال الأنام مجاهد الدين سيـف أميـر المؤمنيـن المتوكـل علـى تعالـى أميـر المسلميـن ذي العزمـات التـي لا تغنـي غناءهـا الذبـل التـي منبتها الخط ولا القضب التي منشؤها الهند. والدعاء لمقام الثقة والاعتصام ومقر الإحسان والإنعام بالنصر الذي يؤازره الظفر ويظاهره العضد. فكتبـه عبد المقام الواثقي المعتصمي - كتب الله له تأييداً يحفظ على الدين نظامه وتخليداً يرث ليالـي الدهـر وأيامـه - مـن إشبيليـة حرسها الله تعالى وللبركات المتوكليات والواثقيات بها انثيال كما تتابـع القطـر وسطوح كما ابتسم في مطالعه الفجر وتعهد لا تزال تقربه العين وينشرح له الصدر والخدمة اللازمة للمثابة العلية الواثقية المعتصمية - أعلى الله مكانها وشيد بعضده أركانها - فرض لا يسع تأخيره وحق لا يعلق به تفريط المتلقد له ولا تقصيره ولازم من اللـوازم التـي لا يشغـل بسواهـا سـر المملـوك ولا ضميـره والله ينجد من ذلكم على ما يتسوغ به صفو المن ونميره. وإن الخطاب الكريم الواثقي شرف الله منازعه ونور بأنوار السعادة مطالعه ورد علـى العبـد مشيداً بذكره معلياً من قدره مسمياً لتربة فخره متضمناً من واسع الإنعام وغمره ما لو وزع على العالم لشملهم بأسره وأغرقهم بفيض يسير من بحره فتناوله المملوك بيمين إجلاله وإعظامه ووفى الواجب من لثمه واستلامه وألفى به رياً ناقعاً لغليل الشوق المبرح إلى اجتلاء غرته الكريمة وأوامه وجعل يتتبع سطوره ويستقري فقره وشذوره فلا يقف من ذلكم كله إلا على ما يملأ حوباءه جذلاً ويخوله الابتهاج غنماً ونفلا ويبوئه أسنى مراتب التشريـف قننـاً وقلـلاً وهو على ما حكمت به الأقضية من شحطه عن المثابة الواثقية شرفها الله وشسوعه وإيواء مغاني أنسه لذلكم ورجوعه لا يجد أنساً إلا ما يتوالي قبله من متعهد اهتمامها وتهديه إليـه ألسنة أقلامها فكلما وفد عليه من صحائفها المكرمة وافد وورد مـن حضرتهـا المعظمـة وارد فقد جدد الزمان عنده يداً غراً وأطلع عليه بدراً وأفاده من الابتهاج ما يعمر الخلد وينشر نسيم الاستبشار إذا سكن وركد وما ينفك علـى نـأي المكـان وبعـد الأوطـان يحافـظ علـى رسمـه مـن خدمهـا ويـؤدي وظائـف الشكـر بجسيـم منحهـا وعميـم نعمهـا ويجعـل علـى نفسه المتملكـة رقيبـاً مـن أن يخل في سر أو جهر بعهد من عهودها أو ذمة من ذممها ومهما تجدد صنع يتعيـن إهـداؤه ويجـب قضـاء الحـق بالدلالـة عليـه وأداؤه لـم يصحبـه فـي المطالعـة بـه توان ولم يعبر في جلائـه أوانـاً إلـى أوان. وقـد كـان قـدم مطالعاته قبل إلى الباب الواثقي شرفه الله باسطاً لتفاصيل الأحـوال وشارحـاً لهـا علـى الاستيفـاء والكمـال ولـم يتجـدد بعـد ذلك إلا تمكن الرجاء في فتح لبلة يسر الله مرامها عن دنو بحول الله وقرب وأنطق لسان الحال بتيسير كل عصي من محاولاتها وصعـب. ولـو أن مكانـاً عضـه الدهـر مـن أنياب حوادثه الجون بما به عضها وفض الحصار أقفالها التي فضها منه ما فضها لكان قد ذهب شميسه وخفي عن أن يسمع حسيسه لكـن أبـى الشقاء الغالب على أهلها إلا أن يمد عليهم أمد العذاب ويرخي لهم طول المهلة الشفية بهم كل يوم مهاوي الخسار والتباب حتىي بلغ الكتاب فيهم أجله ويصل إلى الحد الذي شاء الله أن يصله فيأخذهم أخذ من عمـي عـن إدراك الحـق بصـره وبصيرتـه وخبـث فـي معاندتـه سـره وسريرته ويرجى أن الوقت في ذلكم دان بإمكان والله تعالى يديم للمقام الواثقي ما عوده من توالـي السعـود واطرادها وإصحاب الآمال وانقيادها وسلام الله الطيب يراوحها ويغاديها وتحياته ورحماته الموصولة وبركاته. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بالحضرة وتوصف ويدعى لها ثم يقع التخلص إلى المقصد ويختم بالدعاء والسلام. كمـا كتـب أبـو المطـرف بـن عميرة إلى المتوكل بن هود القائم بالدعوة العباسية بالأندلس عن بعض أتباعه عند ورود كتابه عليه بخبره بفتح. من الأندلس وقتل الثائر بها وهو: الحضرة العلية أبقى الله ظل ملكها على العباد وعرفها من تأييده وإنجاده أفضل المعتاد وجعل لها من الملجأ إليه والتوكل عليه أكثر الجموع وأكثف الأعداد ولا زالت أحاديث نصرها سالمة المتون صحيحة الإسناد وصحائف فتوحها تجمع صلاح العباد وتطلع صباح البشائر من ليل وبعـد: فكتـب العبد - كتب الله للمقام العلي المجاهدي المتوكلي سعداً يرد الصعاب ذللاً ويسد من المكاره سبلاً وأمده بملائكة رسله جاعل الملائكة رسلاً - من فلانة وبركاته مروية للظماء وحركاته مسكنة للدهماء وآثاره في يومي سلمه وحربه آثار الأشداء على الكفار والرحماء والأرض بوضوح محياه وفتوح أسنته وظباه تهتز أعطافا ً وتعتز مواسط وأطرافاً وتبرز في أثوابها القشب فيزداد حسنها أضعافاً والأيام بالبشائر التي فضـت ختامهـا عفـواً علـى قـدر وقضت مسامها صفواً بلا كدر لها أنف الشامخ تيها ووجه الضاحك المتهلـل إشـادة بحالهـا وتنويها ودلالة على رحب مجالها وتبيها. والحمد لله حمد من عرف قدر نعمائه فوفي حق أسمائه تقديساً وتنزيها. وإن الخطاب العلي الأيد والقهر رافعاً منسأة الحوادث بإحدى حسنات الدهر فيال له من كتاب! أودع بدائع الكلم وجوامع البيان الملتئم المنتظم لو استمد سناءه أول الفلقين لم يك كاذباً ولو أعير محياه ثاني الشفقين كان عن ضوء النهار نائبـاً ذكـر بأيـام اللـه المشهودة بالملائكة والروح ومد باع الكلام في فتح الفتوح وأطال ذيول القول مفتاحاً منه للصعب الجمـوح فكـان الغزيـر الصيـب والكثيـر الطيـب والمتبع إن مضى بقلوب وأسماع والمضاعف حسنه إن كرر إلى انقطاع. كيف لا وقد بشر خبره بالمراد في المراد وأوقع اليقين بما خرق العادات من الإسعاف والإسعاد وكان من آحاد الأخبار لا من أخبار الآحاد ومما اقتصه ما جرى من أوائل الحركة السعيدة واعترض من المتاعب الشديـدة وأن الشتـاء كـان فـي ابتدائـه والغيم ساحب لردائه ساكب فضل أندائه. والمكاره في طيها النعم الجسام والنفوس الكبار تتعـب فـي مرادهـا الأجسـام ولذلـك هانـت علـى المقام العلي - أيده الله - تلك المشاق ورجى من عمله ونظره ما جنى من ثمرة العاق فسار إليه بالجحفل الأحفل والعزيمة الزعيمة بفض المقفل ورض الأعلى والأسفل وقـد اعتـز بأجـل المدائـن شانـاً وأوثقهـا بنيانـاً وأبعدهـا صيتـاً ومكانـاً وهي التي أعيت رياضتها كل رائض وسخرت بكل قاعد بقنونها رابض وجمع إليها من طرد الآفـاق وأعـداد الاجتمـاع والاتفـاض أتبـاع كـل ناعق وأشياع كل ما ورد مارق فاستحلوا الدماء وركبوها مضلة عمياء وأدرك كل منهم مما شاء للإسلام ما شاء وعدو الله يفتل لهم في الذروة والغارب ويضرب لهم سكان البلد ضرب الغرائب حتى أباد خضراءهم وجعلهم شر خلف فيمن وراءهم غير مبال بما احتقب من الجرائر واقترف من إباحة الحرائر فاجترأ مـدة بالجـلاء وازداد إثمـاً بالإمـلاء وحينئـذ سمـت إليـه عساكـر الإسلـام وناولتـه بالمـوت الـزؤام ورأى عياناً ما كان يطير إليه قلبـه لـو رآه فـي المنـام وتداولتـه المطاولـة المستدرجـة والعاجلـة المزعجة وفي كل ذاق عذاب الهون فأحسن بقاصمة المتون وقاضية المنون وانقسمت شدته إلى المهلكين: خوف وإعدام واستكملت تسعة أشهر وكان الفتح عندها لتمام وإنه للولد الذي هنئ به الإسلام وضنت بمثله الأيام واستبشر بوجـود الأنـام فمـا أعلـى مقامـه! وأبهـج يومـه وأسعد عامه! ولا غرو أن تكون غرته أبهى الغرر ومفتتحه مباركاً كالبشر وقد أسفر عن أيمن وجه النجح وخرج من عموم الأيام بمخصص هذا الفتح وانتقم الله فيه من الشقي الظالم العظيـم الجـرأة على ارتكاب المظالم فطاح بموبق أعماله وعجل الله به إلى ما أعد لأمثاله وكان دمه شر دم أريق وأديمه أخبث أديم لاقى التمزيق. والحمد لله الذي نصر الراية العباسية وأعلاها وأظهر آية عنايته وجلاها وأسبغ نعمه الجسيمة ووالاها. وحين ورد هـذا النبـأ العظيـم " كـان " أنـدى مـن قطـر النـدى علـى الأكبـاد وسـرى فـي البلـاد سريان الأرواح في الأجساد وكلفت به الأسماع والأسمار وسمت به وإليه الأمصار والأبصار واستقـر مـن ارتجـاع البلـد وانتـزاع النفـس الذاهبـة إلـى جـري الأبـد حكمـان مدركهمـا الفعل والإقـرار وعملـان تـم بهمـا المـراد والاختيـار فرفعـت الأدعية إلى سامعها وغصت الأندية بحاضـري مجامعهـا وذاع بالبشـرى فيا حسن ذائعها وشائعها وأذعنت الآمل لإدناء نازحها وشاسعها وأخذ العبد من المسرة بحظ أخلص العبيد مشهـداً ومغيبـاً وأجمعهـم لمعالـي الجـد تطنيباً ولمعاني الثناء والحمد تطييباً وجدد من شكر الواهب لجزيل هذه الهبة والفاتح لأعظم المعاقل الأشبة ما يستغرق المدد ولا يبلغ الأمد وأنى " لمثلي " أن يصف البشـرى الواصلـة أو ينصف المقالـة المتطاولـة ولـو حلـب أشطـر الإحسـان وجلـب أبحـر البيـان وكيـف والفكـر قـد قعد حصراً والمدى لا يؤاخذه التقدير قسراً والقول لا يجيب مطولاً ولا مختصراً فحسبه دعاء هـو لـه رافـع ولأوقـات الخلـوات بـه قاطع وإلى الله سبحانه في قبوله ضارع والله يجيب في المقام العلـي المتوكلـي أفضـل دعـاء الخلـق ويضاعف له مع السابقين ثواب السبق ويجزيه خير الجزاء عما أزاله من الباطل وأداله من الحق وهو تعالى ينصره يوم الباس ويعصمه من الناس ويبقي رفده للاكتساب ونوره للاقتباس ويعرفه في كل ما يستنبطه من أصل التوكـل صحـة القيـاس بمنـه والسلام. الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بأما بعد ويتخلص إلى المقصد ويختم بما يناسب المقام " كما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى المتوكل بن هود المقدم ذكره عن نفسه يهنئه بوصول هدية الخليفة العباسي إليه من بغداد: أما بعد فكتب العبد - كتب الله للمقام العلي الناصري المتوكلي مجداً يحل الكواكب وجداً يفـل الكتائـب. مـن شاطبـة وبركـات دعوتـه السعيـدة قـد طبقت البسيطة وكاثرت البحار المحيطـة وأنجـزت للإسلـام أفضـل مواعـده وجـددت عهـده لأهل بيت النبوة الرافعة لقواعده وفسحت له مجال البشرى وأطلعت عليه أنوار العناية الكبرى فعاد إلى الوطن ووجد حـال السهد طعم الوسن وأورق عوده واتسقت سعوده وعاد إلى صحته بالنظر الإمامي الذي جاء يعوده. وحين صدور رسول دار السلام ومثابة أهـل الإسلـام ومقعـد الجلالـة ومصعـد إقـرار الرسالة ومعه الكتاب الذي هو غريـب أنـس بـه الديـن الغريـب وبعيـد الـدار نـزل بـه النصـر القريب وآية بأدلتها الصادقة لتبطيل الشبه الآفكة وسكينة من ربنا وبقة مما ترك آل نبنا تحمله الملائكة - اطمأنت القلوب وحصل المطلوب ودرت أخلاف الإيناس وارتفع الخلاف بين الناس وعلموا أن السالك قد أضاءت له المحجة والحق لا يعدو من بيده الحجة وأن من أمرته الخلافة العباسية " فطاعته " تجب قطعاً ومخالفته تحرم شرعاً ولم يبق إلا أن يبين للعيان شخصه ويرد على الآذان نصه فيكون يومه غرة الليالي المعتكرات وعلم الأيام المنكرات واليوم الذي به تؤرخ الأيام المستقبلية وترفع فيه الأعمال المتقبلة. وبإقبال الركاب السعيد إلى هذه ينزل به من سماء العلياء محكم وحكمة ويصل به إلى الأنام فضل من الله ونعمة ويقتضى دين على الأيام لا يبقى معـه عسـرة ويوجـد جبـر للإسلـام لا يكـون بـده كسـره وشفـاء لقلوب الأولياء هو للأعداء حسرة. الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بلفظ " سيدي " أو " مولاي " كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب الأندلس عن نفسه إلى السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني صاحب فاس عند ورود كتابه إلى الأندلس بفتح تلمسان معرضاً بأن صـدور كتابـه مـن عنـد قبـر والـده السلطـان أبـي الحسـن بالأندلـس مـا صورته: مولاي! فاتح الأقطار والأمصار فائدة الأزمان والأعصار أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار قدوة أولي الأيدي والأبصار ناصر الحق عند قعود الأنصار مستصرخ الملك الغريب مـن وراء البحـار مصـداق دعـاء الـأب المولـى في الآصال والأسحار. أبقاكم الله! لا تقف إيالتكم عند حد ولا تحصى فتوحات الله عليكم بعد ولا يفيق أعداؤكم من كد ميسراً على مقامكم الكريم ما عسر على كل أب كريم وجد. عبدكم الذي خلص إبريز عبوديته لملك ملككم المنصور المعترف لأدنى رحمة من رحماتكم بالعجز عن شكرها والقصور الداعي إلى الله سبحانه أن يقصر عليكم سعادة القصور ويذلل بعز طاعتكم أنف الأسد الهصور ويبقي الملك في عقبكم إلى يوم ينفخ في الصور. فلان. من الضريح المقدس: وهو الذي تعددت على المسلمين حقوقه وسطع نوره وتلألأ شروقه وبلغ مجـده السماء لما بسقت فروعه ورسخت عروقه وعظم بتبوئكم فخره فما فوق البسيطة فخر يفوقه حيث الجلال قد رست هضابه والملك قد سترت بأستار الكعبة الشريفة قبابه والبيت العتيـق قـد ألحفـت الملاحـد الإمامية أثوابه والقرآن العزيز ترتل أحزابه والعمل الصالح يرتفع إلى الله ثوابه والمستجير يخفي باطنه سؤاله فيجهر بنعرة العز جوابه وقد تفيأ من أوراق الذكر الحكيم حديقـة وخميلـة أنيقة وحط بجودي الحق نفساً في طفوان الضر غريقة والتحف برق الهيبة الذي لا تهتدي للنفس فيها إلا بهداية الله طريقة واعتز بعز الله وقد توسط جيش الحرمة المرينية حقيقة إذ جعل المولى المقدس المرحوم أبا الحسن مقدمة وأباه وجده سقاه المولى الكريم بهذا المجد سيب رحماه وطنب عليه من الرضا فسطاطـاً وأعلـى بـه يـد العنايـة المرينيـة اهتمامـاً واغتباطـاً وحـرر لـه أحكـام الحرمـة نصـاً جليـاً واستنباطـاً وضمـن لـه حسـن العقبـى التزاماً واشتراطاً وقد عقد البصر بطريق رحمتكم المنتظرة المرتقبة ومد اليد إلى اللطائف بشفاعتكم التـي تتكفـل بعتـق المـال كمـا تكفلـت بعتـق الرقبـة وشرع في المراح بميدان نعمكم بعد اقتحام هذه العقبة لما شنفت الآذان البشرى التي لم يبق طائر إلا سجع بها وصدح ولا شهاب دجنة إلى اقتبس من نورها واقتدح ولا صدر إلا انشرح ولا غصن عطف إلا مرح بشرى الفتح القريب وخبر النصر الصحيح الحسن الغريب ونبأ الصنع العجيب وهداية السميع المجيب: فتح تلمسان الذي قلد المنابر عقود الابتهاج ووهب الإسلام منيحة النصر غنية عن الهياج وألحف الخلق ظلاً ممدوداً وفتح باب الحج وكان مسدوداً وأقر عيون أولياء الله الذين يذكرون اللـه قيامـاً وقعوداً وأضرع بسيف الحق جباهاً أبية وخدوداً وملككم حق أبيكم الذي أهان عليه الأموال وخاض من دونه الأهوال وأخلص في الضراعة والسؤال من غير كد يغمز عطف المسرة ولا جهد يكدر صفو النعم الثرة ولا حصر ينفض به المنجنيق ذؤابته ويظهر بتكرر الركوع إنابته. فالحمد لله الذي أقال العثار ونظـم بدعوتكـم الانتشـار وجعـل ملككـم يجـدد الآثـار ويأخـذ الثار. والعبد يهنئ مولاه بما أنعم الله عليـه وأولـاه ومـا أجـدره بالشكـر وأولـاه! فـإذا أجـال العبيد السرور فللعبد المعلى والرقيب وإذا استهموا حظوظ الجذل فلي القسم الوافرة والنصيـب وإذا اقتسمـوا فريضـة شكـر اللـه تعالـى فلـي الحـظ والتعصيـب لتضاعـف أسباب العبودية قبلي وترادف النعم التي عجز قولي وعملي وتقاصر في ابتغاء مكافأتها وجدي وإن تطاول أملي فمقامكم المقام الذي نفس الكربـة وآنـس الغربـة ورعـى الوسيلـة والقربـة وأنعـش الأرماق وفك الوثاق " وأدر الأرزاق وأخذ على الدهر بالاستقالة بالعهـد والميثـاق " وإن لـم يباشـر العبـد اليـد العاليـة بهـذا الهنـاء ويتمثـل بين يدي الخلافة العظيمة السنا والسناء ويمد بسبب البدار إلى تلك السماء فقد باشر به اليد التي يحن مولاي لتذكر تقبيلها ويكمل فروض المجد بتوفيـة حقوقهـا الأبويـة وتكميلهـا ووقفـت بيـن يدي ملك الملوك الذي أجال عليها القداح ووصل في طلب وصالها المساء بالصباح وكأن فتحه إياها أبا عذرة الافتتاح وقلت يهنيك يا مولاي رد ضالتك المنشودة وخبـر لقطتـك المعرفـة المشهـودة " ودالتـك المـودودة " فقـد استحقهـا وارثـك الأرضى وسيفك الأمضى وقاضـي دينـك وقـرة عينـك مستنفـذ دارك مـن يـد غاصبهـا وراد رتبتك إلى مناصبها وعامر المثوى الكريم وستر الأهل والحريم. مولاي! هذه تلمسان قد أطاعت وأخبار الفتح على ولد الحبيب غليك قد شاعت والأمم إلى هنائه قد تداعـت وعـدوك وعـدوه قـد شردتـه المخافـة وانضـاف إلـى عـرب الصحـراء فخفضته الإضافة وعن قريب تتحكم فيه يد احتكامه وتسلمه السلامة إلى حمامه فلتطب يا مولاي نفسك وليستبشر رمسك فقد نمت بركتك وزكى غرسك. نسأل الله أن يورد علـى ضريحك من أنباء نصره ما تفتح له أبواب السماء قبولاً ويرادف إليك مدداً موصولاً وعدداً آخرته خير لك من الأولى ويعتريه بركة رضاك ظعناً وحلولاً ويضفي عليه منه ستراً مسدودلاً. ولم يقنع العبد بخدمة النثر حتى أجهد القريحة التي ركضها الدهر وأنضاها واستشفها الحادث الجلل وتقاضاها فلفق من خدمة المنظوم ما يتغمد حلمكم تقصيره ويكون إغضاؤكم إذا لقي معرة العتب وليه ونصيره وإحالة يا مولاي على الله في نفس جبرها ووسيلة عرفها مجده فما أنكرها وحرمة بضريح مولاي والده شكرهـا ويطلـع العبـد منـه علـى كمـال أملـه ونجـح عملـه " يا ابن الخلائف يا سمي محمد يا من علاه ليس يحصر حاصر! أبشر فأنت مجدد الملـك الـذي لولاك أصبح وهو رسم داثر! من ذا يعاند منك وارثه الذي بسعوده فلك المشيئة دائر! ألقت إليـك يـد الخلافـة أمرهـا إذ كنت أنت لها الولي الناصر! هذا وبينك للصريح وبينها حرب مضرسـة وبحـر زاخـر! من كان هـذا الصنـع أول أمـره حسنت له العقبى وعز الآخر! مولاي عنـدي فـي علـاك محبـة واللـه يعلـم مـا تكن ضمائر! قلبي يحدثني بأنـك جابـر كسري وحظي منك حظ وافر! بثرى وجودك قد حططت قريحتي ووسيلتـي لعلاك نور باهر! وبذلت سعيي واجتهادي مثل ما يلقى لملكك سيف أمرك عامر! وهو الموالي الذي اقتحم الردى وقضى العزيمة وهو سيف باتر! وولي جدك في الشدائد عندما خذلت علـاه قبائـل وعشائـر! الأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم والرسم فيه أنه إن كان الجواب صادراً عـن ملـك فالتعبيـر عـن الملـك بنـون الجمـع وخطـاب المكتـوب إليـه بالكاف. وإن كان عن بعض أتباع الملك إليه فالتعبير عن المكتوب عنه بالخادم أو العبد أو المملوك ونحو ذلك ومخاطبة الملك بما تليق به مخاطبة الملوك. ثم الجواب تارة يكون الابتـداء " فيـه " بنفـس ورود المكاتبـة وقـد تقـدم فـي مثـل ذلـك فـي الكتب الصادرة عن الخلفاء أن المكاتبـة يبتـدأ فيهـا بلفـظ عـرض. أما الأجوبة المتعلقة بالملوك فإنه يقال فيها بدل عرض: وصل أو ورد أو نحو ذلك. ثم هي على ضربين: الضرب الأول الأجوبة الصادرة عن الملوك إلى غيرهم وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في الأجوبة الصادرة عن ملوك المشرق وفيه أسلوبان الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ " كتابنا " و " وصل كتابك " ويذكـر تاريـخ الكتـاب ويشار إلى ما فيه ثم يؤتى بالجواب إلى آخره ويختم باستماحة الرأي في ذلـك الأمـر كمـا كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة إلى حاجب الحجاب أبي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردى. كتابنا ووصل كتابك مؤرخاً بيوم كذا تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك ووكلت إلى تدبيرك ورأيك: من رد باد الكردي عن الأعمال التي تطرقهـا وحدث نفسه بالتغلب عليها وتصرفك في ذلك على موجبـات الأوقـات والتـردد بيـن أخينـا وعدتنـا أبي حرب زياد بن شهرا كويه وبينك من المكاتبات وحسن بلائك في تحيفه ومقاماتك فـي حـص جناحـه وآثـارك فـي الانقضـاض علـى فريـق بعـد فريق من أصحابه واضطرارك إياه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها والسياسات التي سست أمره بها إلى أن نزل عن وعورة المعصيـة إلـى سهولـة الطاعة وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية وتراجع عن السوم إلى الاقتصـار وعـن السرف إلى الاقتصاد وعن الإباء إلى الانقياد وعن الاعتياص إلى الإذعان. وأن الأمر استقر على أن قبلت منه الإنابة وبذلت له فيما طلب الاستجابة واستعيد إلى الطاعة واستضيف إلى الجماعة وتصرف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمه الجملة وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والأيمان المغلظة وجدت له الولاية على الأعمال التي دخلت في وقد كانت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب " زياد بن شهراكويه " مولى أمير المؤمنين ترد علينا وتصل إلينـا مشتملـة علـى كتبـك إليـه ومطالعاتـك إيـاه فنعـرف مـن ذلـك حسـن أثـرك وحـزم رأيك وسداد قولك وصواب اعتمادك ووقع مضاربك في مفاصلها وإصابة مراميك أغراضها وما عدوت في مذاهبك كلها ومتقلباتك بأسرها المطابقة لإيثارنا والموافقة لما أمرت به عنا ولا خلت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب من شكر لسعيك وإحماد لأثرك وثناء جميل عليك وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك والموالاة اللازمـة لـك والوفـاء الـذي لا يستغـرب من مثلك ولا يستكثر ممن حل في المعرفة محللك ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه ومعدل عدلت إليه مكافحة هذا الرجل ومراغمته ومصابرته ومنازلته والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول وتنازعتماه من حد فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إياك وارتضائنا ما كان منك المنة عليه إذ سكنت جاشه وأزلت استيحاشه واستللته من دنس " لبـاس " المخالفـة وكسوتـه مـن حسـن شعـار الطاعـة وأطلـت يده بالولاية وبسطت لسانه بالحجة وأوفيت به على مراتب نظرائه ومنازل قرنائه حتى هابوه هيبة الولـاة وارتفـع بينهـم عن مطارح العصاة. فالحمد لله على أن جعلك عندنا محموداً وعند أخينا وعدتنا أبي حرب مشكوراً وعلى هذا الرجل ماناً وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثاباً مأجوراً وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار راياتنا ونصرة أوليائنا والحكم لنا على أعدائنا وإنزالهم على إرادتنا طوعاً أو كرهاً وسلماً أو حرباً فلا يخلو أحد منهم أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر أو منـة عفـو إنـه جل ثناؤه بذلك جدير وعليه قدير. ويجب أن تنقذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكردي إن كنت لم تنفذهـا إلـى أوان وصـول هـذا الكتـاب: لتكـون فـي خزائننـا محفوظـة وفـي دووايننـا منسوخـة وأن تتصـرف فـي أمـر رسلـه وفـي بقيـة " إن كانـت بقيـت مـن أمـره " علـى مـا يرسمـه له عنا أخونا وعدتنا أبو حرب فرأيك في العمل على ذلك وعلى مطالعته بأخبارك وأحوالك وما يحتاج إلى عمله من جهتك موفقاً إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ " وصل كتابك " والأمر في ترتيبته على نحو ما تقدم في الأسلوب الذي قبله. كمـا كتـب أبـو إسحـاق الصابـي عـن صمصـام الدولـة أيضـاً إلى أبي العلاء عبيد الله بن الفضل في جواب كتابه الوارد عليه بالظفر بأهل الاقتباس ما صورته: وصـل كتابـك - أدام الله عزك - المؤرخ بوقت الظهر من أمسنا وهو يوم كذا تذكر ما سهله الله لـك وأجـراه علـى يـدك وبيمـن تدبيـرك وبركـة خدمتـك: من الإيقاع بالعصاة أهل الاقتباس وإذاقتهـم وبـال مـا كانـوا عليـه: مـن خلـع الطاعـة وشـن الغارة واستباحة المحارم وارتكاب العظائم وإثخانك فيهم قتلاً وأسراً وتشريداً وتشتيتاً وفهمناه وحمدنا اللـه عليـه وشكرنـا مـا أولى فيه وحسن منا موقـع أثـرك وتضاعـف فيـه جميـل معتقدنـا فيـك ولـك وارتضينـا فعـل الأولياء في الخفوف إليه والمناصحة فيه وسبيلك أن تبحث عن أموال هؤلاء القوم وتثمرها وتستدركها وتحصلها وتكتب بما يصح منها وتتقدم بقص أثر الهاربين حتى تلحقهم بالهالكين وتشيـع الرهبـة فـي سائـر شقـي الفـرات وتتوخـى طوائـف الأشـرار والخـراب ومخيفـي السبل والساعيـن فـي الفسـاد بالتتبـع لهـم ووضـع اليـد عليهم فإن بحسب النكاية في أهل الجهل والدعارة سكون أهل السلامة والاستقامة فرأيك في العمل بذلك والمطالعة بما يوفقك الله له مستأنفاً من مثل هذا الفعل الرشيد والمقـام الحميـد وبسائـر الأمـور التـي تـرى عينهـا وتحتـاج إلـى معرفـة مجاريها موفقاً إن شاء الله تعالى والسلام. الجملة الثانية في الأجوبة الصادرة عن ملوك الديار المصرية من وزراء الخلفاء الفاطميين القائمين مقام الملوك الآن فمن بعدهم " والذي وقفت عليه من أسلوب واحد وهو الافتتاح بلفظ: " وصل ". كمـا كتـب بعـض كتـاب الدولة الفاطمية عن بعض وزراء الحافظ إلى أمين الدولة زنكي كشنكين وصل كتابك أيها الأمير الأجل الدال على مصالحته المعرب عن مناصحته الشاهد له بمؤثل الخطـوة والأثـرة والموضـح مـن أفعالـه وخلالـه مـا لـم تـزل قضيته مرتسمة في النفوس مصورة وعرضنا ما اقترن به من مطالعة المقام المقدس النبوي الحافظي - ضاعف الله أنواره وشاد مناره وأعز أشباعـه وأنصـاره - وشفعنـاه مـن الثنـاء علـى الأميـر الاسفهسلـار بمـا لـم تـزل عادتنـا جاريـة به مع من نعلم طاعته ونتحقق مشايعته ونرى باطنه يضاهي ظاهره وسره يوافق علانيته ووقفنا على ما أنهاه من حال الفرنج المشركين المعلونين وما كان من نعم الله تعالى من الظفر بهم والإدالة منهم والخفض من منارهم والتقويـض لغمارهـم والإبـادة لفارسهـم وراجلهـم وإرشـاد السيـوف والسهام إلى مقاتلهم وتطهير الأرض منهم بدمائهـم والإحاطـة بهـم عـن أيمانهـم وشمائلهـم ومـن أمامهـم وورائهـم فابتهجنا بذلك الابتهاج الذي يوجبه التوحيد وانتهى بنا السرور إلى الحد الذي ما عليه مزيد. على أننا كنا نـود أن يكـون ذلـك بصفاحنـا وأسنتنـا وأن يثبتـه اللـه لنـا فـي صحيفتنا وإنا لراجون من نعم الله عندنـا وإحسانـه إلينـا كمـا عودنـا أن يكـون مـن بقـي مـن المذكورين بنا مستأصلاً ويكون أجر هذه الخاتمة لنا حاصلاً. وقد عزم الله لنا عند وقوفنا على كتابه بما خرج به أمرنا إلى جميع من بأعمال الدولة الحافظية خلد الله ملكها بعيدها ودانيها وقصيها ونائيها من العساكر المظفرة المؤيدة وقبائل العربان المستخلصـة وكافـة الطوائـف علـى اختلـاف أنواعها وتباين أجناسها وتفاوت منازلها وتغاير مراتبها بأن ينفروا خفافاً وثقـالاً وركبانـاً ورجـالاً بقوتهـم ونجدتهـم ووفور عددهم وعدتهم وكثرة آلاتهم وأسلحتهم وبالعزمـات الماضيـة والضمائـر الخالصـة والنيـات المستبقيـة والعقائـد المتفقـة وفسحنا للمتطوعة أن يختلطوا بالمرتزقة وأمرناهم بمسيرهم متتابعين وتوجههم مترادفين وأن يكون كتائب متناصرة وجحافل متواترة وعساكر متوالية لا ترى الأرض منها إلى العدو خالية ومن الله نطلب مادة العـون والإسعـاد ونسألـه توفيقاً لما يقض بتضاعف أجرنا في العاجلة والمعاد. وقد شكرنا الأمير الأسفهسلار كون ما أنهاه سبباً لهذه الغنيمة المتوقعة من فضل الله وإحسانه والنصر لدينه التي نؤملها من جزيل كرمه وامتنانه وأضفنا ما اقتضته مطالعته من جذلنا وغبطتنـا إلـى المستقـر عندنا من محبته لنا وإيثاره الذي لا يحتاج فيه إلا زيادة على معرفتنا فليعلم هذا وليعمل به. إن شاء الله تعالى. وكما كتب القاضي الفاضل عن السلطان " صلاح الدين يوسف بن أيوب " إلى صاحب مكة المشرفة جواباً عن كتاب ورد منه عليه في معنى وصول غلال بعث بها إلى مكة ما صورته: وصل كتابك أيها الشريف معرباً عـن المشايعـة الشائعـة أنباؤهـا والمخالصـة الخالصـة أسرارهـا الوافرة أنصباؤها وحسان الخلال التي اقتسم طرفي الحمد إعادتهـا وإبداؤهـا ومكرمـات الـآل التـي تسـاوى فـي اقتنـاء المجـد أبناؤهـا وفضائـل الإفضـال التـي لا تخـف علـى غيـر أهل العباء صلوات اللـه عليهـم أعباؤهـا. ونشـر كتابـك مـن محاسنـك مـا انطـوى ووردنـا منه منهلاً أروى وارده واتـروى ووقفنـا منـه علـى أثـر فضل اشتمل على عين الكرم واحتوى ووفقنا وإياه من الحمد ما لا نخلفه نحن ولا هو مكاناً سوى فاقتضانا مزيداً في رفع قدره واختصاصـه مـن الإنعـام بكـل غريب الموقع ندره وأصرنا كتابه إلى مستقر كاتبه من قلب الود وصدره وكيف لا يكون ذلك وقد أشمخرت لبيته الأنساب وخرت الأنصاب وسجـدت الرقـاب وردت لـه بعـد مـا تـوارت بالحجاب وشهد بفضل توقيعهم الحرب وبفضل ليلهم المحراب. فأمـا مـا أشـار إليه من الشكر على ما سير من الغلات التي كان الوعد بها علينا نذراً وروحنا بإرسالها قلباً وشرحنا بتسييرها صدراً وأنها حلت ربقة الجدب وفكتها وجلت هبوة القحط وكفتها وهونت مصاعب المساغب وخلفت سواحب السحائب وأطفأت - ولله الحمد - بوار النوائب فقد سررنا بحسنتنا جعله الله ممن تسره الحسنة وقد نبهنا من سنتنـا لـأن نستقبـل بالحمد لولي السنة وقد قوى النية وقومها واستزاد لهم بلسان الشكر الفصيح وتناول لهم بباع التلطف الفسيح وألقح لهم سحائب محله منها محل ملقحها من الريح واقتضى ما يعرضـه أن خرج الأمر بأن يضاعف المحمول في كل عام ولا يخص به خاص دون عام وأمرنا أن يوفر جلب الجلاب وتوقر ظهور الركاب ليجمع للحرم الشريف بين بر البر والبحر وبين حمل البطن والظهر فتظل السنة ودوداً ولوداً ويشاهد المحل الشريف وقد نأى عنه المحل شريداً وتحط القلوع عما يحط عنه أمثالها من السحائب وتستريح الأنفس اللواغب فأما ما ألقاه إلى رسوله فقد أسمع مـا أسنـده إليـه وأعيـد بمـا يعيـده عليـه وقد تكاثرت بولاء الشريف الأشهاد فغني عن الاستشهاد وأغنته الحظوة بجميل رأينا عما نأى أخذه لشفعة العطاء بل لشفاعة الاجتهاد إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة في الأجوبة الصادرة عن ملوك الغرب وهي على النحو المتقدم وربما صدر بلفظ: " قد " ونحوها كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن بعض ملوكهم في جواب كتاب ورد عليه بطاعة بلد. قـد وصـل كتابكـم - وصـل اللـه معونتكم وكلاءتكم - تذكرون ما تقرر عندكم هنالك من أحوال تلك الجهة وباشرتموه من أمورها وأنتم عندنا بمحل الصدق ومكان الإيثار للحق. وقد رسمنا لكـم أن تثبتوا في أهل تلكم الجهات كلها حميد الرأي فيهم وحسن القبول لإنابتهم وقصد الرفق بخاصتهم وعامتهم وأنـا قـد تقبلنـا أوبتهـم واغتفرنـا زلتهـم وأولئكـم المتشبثـون بسبـب الذمـام عرفوهم أنكم رغبتم في شمول الصفح عنهم والإقالة لما كان منهم فأسعفنا رغبتكم فيهم وأدخلناهم في العفو مع غيرهم وبذلنا لهم الأمان وأغضينا عن جميع ما كان فعرفوهم بهذا كله وأخبرهم عنا بإعطاء التأمين لجميعهم وبذله وإن كان أطيب لنفوسهم أن يصلهم مكتوب بذلك عرفتمونا ووجهناه إليكم. وأقيموا أنتم هنالكم أياماً خلال ما يصلكم من متثاقل الأحوال ما تطالعون به وتخاطبون بما تعتمدونه إن شاء الله تعالى. أدام الله كرامتكم. أشرتـم فـي خطابكـم إلى أن عندكم من تلك الأحوال ما تذكرونه مشافهة وربما يكون ذلك أمداً يبنـى عليـه نظـر أو يتوجـه بحسبـه عمـل فمـن الجيـد أن تكتبـوا بشرحـه إن شاء الله تعالى والسلام. الضرب الثاني الأجوبة الواردة على الملوك وهي على نحو ما تقدم في الأجوبة الصادرة عن الملوك من الابتداء بلفظ: " وصل " إلا في الخطاب فإن المكتوب عنه يقع الخطاب منه ب " الخادم أو المملوك أو العبد ". ويخاطب الملك المكتوب إليه بمولانا أو مولانا الملك أو نحو ذلك وربما كتب بدل وصل: ورد. كمـا كتـب القاضـي الفاضـل عـن السلطان " صلاح الدين يوسف بن أيوب " في جواب كتاب ورد عليه مخبراً فيه بالحركة للقاء العدو ما صورته: ورد على المملوك - أدام الله أيام المجلس العالي الملكـي الناصـري ونصـره علـى أعدائـه وملكـه أرضه بعدل حكم سمائه ولا أخلى من نعمتي خيره ونظره قلوب وعيون أوليائه وأعز الإسلام ورفع عن أهله البلوى بلوائه. الكتب القديمة التي تسر الناظرين من شعارها الأصفر وتبشر الأولياء إن كانوا غائبين مع الغيب بأن حظهم حاضر مع الحضر وقد كانت الفترة قد طالت أيامها واستطالت آلامها والطرقات قد سبق إلى الأنفس إبهامها. فالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأولى من النعمة ما اشترى الحمد ثمن ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس. ووعد " اللـه " سبحانـه منتظـر إذ يقـول فـي كتابـه: فقد كانت حركة احتاجت إليها البلاد التي انفصل عنها والبلاد التي قدم عليها. أما المصرية منها فبكونها على عدة من نجدته آجلاً وأما الشاميـة فبكونهـا علـى ثقـة مـن نصـره عاجـلاً فقـد تماسكت من المسلمين الأرماق وقد انقطعت من المشركين الأعناق: تهاب بك البلاد تحل فيها ولولا الليث ما هيـب العريـن! وعرض المملوك ما وصل إليه من مكاتبات المولى على العلم العادلي وأدركها تحصيلاً وأحاط بها جملة وتفصيلاً والمولى - خلد الله ملكه - فكل ما أشـار إليـه مـن عزيمـة أبداهـا ونيـة أمضاها فهو الصواب الذي أوضح الله له مسالكه والتوفيق الذي قرب الله عليه مداركه ومن أطاع الله أطاعه كل شيء ومن استخاره بين له الرشد من الغي والله تعالى يجعل له من كل حادثة نخوة ويكتب أجره في كل حركة ونفس وخطوة. إن شاء الله تعالى. القسم الثاني المكاتبات الصادرة عنهم إلى ملوك الكفر وفيه طرفان الطرف الأول في الابتداءات وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في المكاتبات الصادرة إليهم عن ملوك بلاد الشرق من بني بويه فمن بعدهم المكاتبات الصادرة اليهم عن ملوك الشرق وقـد كـان الرسـم فيهـا أن تفتتـح المكاتبـة بلفـظ " كتابـي أو كتابنـا إلى فلان " ويخاطب المكتوب إليه بملك الروم أو نحو ذلك ويختم بقوله: فإن رأى ذلك فعل إن شاء الله تعالى. كمـا كتـب أبو إسحاق الصابي عن القائد أبي الفوارس ختور التركي المعزي إلى وردس بن قنبر المعروف بعسقلاروس. " كتابـي إلـى " ملـك الـروم الفاضـل الجليل النبيل الخطير أدام الله كفايته وسلامته ونعمته وسعادته وعافيته وحراسته. من الحضرة الجليلة بمدينة السلام لثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة تسع وسبعين وثلثمائة وهو اليوم التاسع من أدار عن شمول السلامة وعموم الاستقامـة وصلـاح حالـي في ظل الدولة المنصورة. والحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً. ووصل كتاب مولانا ملك الروم الفاضل الجليل الصادر عن العكسر بمرج لارضة بتاريخ التاسع من حزيران وفهمته وجل عندي موقعه وعظم في نفسي خطره وحمدت الله على ما شهد به مـن انتظـام أحواله واطراد أموره وسألته أن يتمم النعمة عليه ويزيد فيها لديه ويواصل إحسانه إليه ويطيل مدته في أتم رشد وهداية وأرفع قدم ومنزلة وأعلى خطر ورتبة بمنه وطوله وجوده ومجده. فأما ما ذكره سيدنا الملك الجليل: من مقامه على العهد وافتقاره إلى الميل والود فذاك يوجب فضله البارع وكرمه الشائع وخلال الخير التي أهله الله لها وخصه الله بها وبالله أحلف إنني ما خلوت منذ افترقنا من مطالعة أخباره وتتبع آثاره واستعلام مجاري شؤونه والسرور بكل ما تم له ووصل إليه حتى كأنني حاضر له وضارب بأوفر سهم فيه بل مخصوص بجميعه. والله يجريه على أحسن ما أولاه وعوده ولا يخليه من الصنع الجميل فيما أعطاه وقلده برحمته. وكنت قبل ذلك عند ورود رسولي في الدفعة الأولى على غاية الغم وشغل القلب بسبب الغـدر الـذي لحقـه مـن عـدوه الذي أظفر الله به وأنهيت ذلك في وقته إلى الملك السعيد الماضي شرف الدولة وزين الملة رضي الله عنه. فاشتغل قلبه - رحمه الله - به وعمل على إنفاذ العساكر لنصرته ثم أتى من قضاء الله في أمره ما قد عرفه. ولما انتصب في المملكة مولانا السيد بهاء الدولة وضياء الملة - أطال الله بقاءه - شرحت له ما جرى قديماً على سياقته ومهدت الحال عنده ووجدته - أدام الله سلطانه - معتقداً لسيدنا ملك الروم الجليل - أدام الله عزه - أفضل اعتقاد وسر بما انتهت إليه أموره وتنجزت الكتب إلى موصلها الرسول حفظه الله وسمعت منه ما كان تحمله عن سيدنـا ملـك الـروم أدام اللـه تأييـده وأخرجـت معـه صاحبي أبا القاسم الحسين بن القاسم وحملتهما جميعاً ما ينهيانه إليه في وأنـا أسـأل سيدنـا الملـك الجليـل - أدام اللـه بركتـه - تعجيـل رده إلي فإنه ثقتي ومن أسكن إليه في أموري وأن يتفضل ويكلفني حوائجه ومهماته وأمره ونهيه لأقوم في ذلك بالحق الواجب له إن رأي سيدنا ملك الروم الفاضل الجليل الخطير النبيل أن يعتمدني من ذلك بما يتضاعف عليه شكري وتجل النعمة فيه عندي ويشاكل الحال بينه وبيني فعل إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إليهم مكاتبات ملوك الديار المصرية اليهم والـذي وقفت عليه من ذلك أسلوب واحد: وهو الابتداء ب " أما بعد " والخطاب فيه بالملك والاختتام بالدعاء. كمـا كتـب القاضـي الفاضـل عـن السلطان " صلاح الدين يوسف بن أيوب " إلى بردويل أحد ملوك الفرنج وهو يومئذ مستول على بيت المقدس وما معه معزياً له في أبيه ومهنئاً له بجلوسه في الملك بعده ما صورته: أما بعد - خص الله الملك المعظم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد والسعد الساعد والحظ الزائد والتوفيق الوارد وهنأه من ملك قومه ما ورثه وأحسن من هداه فيما أتى بـه الدهـر وأحدثه فإن كتابنا صادر إليه عند ورود الخبر بما ساء قلوب الأصادق والنعي الذي وددنا أن قائله غير صادق بالملك العادل الأعز الذي لقاه الله خير ما لقى مثله وبلغ الأرض سعادته كما بلغه محله معز بما يجب فيه العزاء ومتأسف لفقده الذي عظمت به الأرزاء إلا أن اللـه سبحانه قد هون الحادث بـأن جعـل ولـده الـوارث وأنسـى المصـاب بـأن حفـظ بـه النصـاب ووهبه النعمتين: الملك والشباب فهنيئاً له ما حاز وسقياً لقبر والده الذي حق له الفداء لو جاز ورسولنا الرئيس العميد مختار الدين أدام الله سلامته قائم عنا بإقامة العزاء من لسانه ووصف ما نالنا من الوحشة لفراق ذلك الصديق وخلو مكانه وكيف لا يستوحش رب الدار لفرقة جيرانه. وقد استفتحنا الملك بكتابنا وارتيادنا وودنا الذي هو ميراثـه عـن والـده مـن ودادنا فليلق التحية بمثلها وليأت الحسنة ليكون من أهلها وليعلم أنا له كما كنا لأبيه: مودة صافية وعقيدة وافية ومحبة ثبت عقدها في الحياة والوفاة وسريرة حكمت في الدنيا بالموافاة مع ما في الدين من المخالفات. فليسترسل إلينا استرسال الواثق الذي لا يخجل وليعتمد علينا اعتماد الولد الذي لا يحمل عن والده ما تحمل والله يديم تعميـره ويحـرس تأميـره ويقضـي لـه بموافقة التوفيق ويلهمه تصديق ظن الصديق. الجملة الثالثة في الأجوبة الصادرة إليهم عن ملوك الغرب والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفـظ: " كتابنـا " والمخاطبـة بنـون الجمـع عـن المكتـوب عنـه وميـم الجمـع عن المكتوب إليه والاختتام بالسلام مع الدعاء بما يليق. كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن أبي جميل زيان إلى ملك قشتالة من بلاد الأندلس في مراودة الصلح: كتابنا إليكم - أسعدكم الله برضاه وأدام عزتكم وكرامتكم بتقواه - من مرسية ونحن نحمـد الله الذي لا شيء كمثله ونلجأ إليه في أمرنا كله ونسألـه أن يوزعنـا شكـر إحسانـه وفضلـه - وعندنا لجنابكم المرفع تكرمة نستوفيها ومبرة ننتهي إلى الغاية فيها وعلمنا بمحلكم الشهير وكتابكم الخطير يستدعي الزيادة من ذلكم ويقتضيها وقد كان من فضل الله المعتاد وجميـل صنعه في انتظام الكلمة في هذه البلاد ما اكتنفته العصمة وكملت به النعمة والمنة وتيسر بمعونة الله فتح أقر العيون ورضيه الإسلام والمسلمون وكانت مطالعتكـم بـه ممـا آثرنـا تقديمـه ورأينـا أن نحفـظ مـن الأسبـاب المرعية على التفصيل والجملة " حديثه وقديمه ". وحين ترجحت مخاطبتكم من هذا المكان ومفاوضتكم في هذا الشان رأينا من تكملة المبرة وتوفية العناية البـرة أن ننفـذ إليكـم من يشافهكم في هذا المعنى ويذكر من قصدنا ما نولع به ونعنى وهو فلان فـي ذلـك السلـام ومحاولتهـا مـا يتأدى من قبله على الكمال بحول الله تعالى. وإن رأيتم إذا انصرف من عندكم أن توجهوا زيادة إلى ما تلقونه إليه من رجالكم وخاصتكم في معنى هذا العهد وإحكامه ومحاولته وإبرامه فعلتم من ذلك ما نرقب أثره ونصرف إليه من الشكر أوفاه وأوفره إن شاء الله تعالى: وهو الموفق لا رب سواه والسلام الأتم عليكم كثيراً. الطرف الخامس عشر " المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر فـي الأجوبـة " وهـي " إمـا أن تصـدر بمـا يصـدر بـه الابتـداء وقـد تقدم وإما أن تصدر بلفظ وصل أو ورد " كمـا كتـب بعض كتاب الدولة الأيوبية عن الملك الجواد: أحد ملوكهم في أيام الملك الكامل محمد بـن العـادل أبـي بكـر جـواب كتـاب ورد عليـه مـن فرانـك: أحد ملوك الفرنج في شعبان سنة ثلاثين وستمائة: وردت المكاتبة الكريمة الصادرة عـن المجلـس العالـي الملـك الأجـل الأعـز الكبيـر المؤيـد الخطيـر العالـم العامـل الظهيـر العـادل الأوحد المجتبى شمس الملة النصرانية جلال الطائفة الصليبية عضـد الأمـة الفرنجيـة فخـر أبنـاء المعموديـة عمـدة الممالـك ضابـط العساكـر المسيحية قيصر المعظم فلان معز إمام رومية ثبت الله يده نعمه وعزز موارد جوده وديمـه وأمضـى صـوارم عزائمه وأعلى هممه ولا برحت أنوار سعده تتلالا وأخبار مجـده تبسـط وتتعالـى وسحائـب الألسنة الناطقة بحمد تستهل وتتوالى إلى أن يتحلى جيد الضحى بعقود الليل وتطلع الشعرى من مطالع سهيل - فجدد الثناء على جلاله وأكد المديح لإحسانه وإفضاله وأنفس أسبـاب المودة والحصافة وشدد أواخي الإخلاص والموافاة فاستبشرت النفوس بوروده وسـرت القلـوب بوفوده ووقف منه على الإحسان الذي نعرفه ووجد عقده مشتملاً على جواهر الوداد الذي نألفه فشكر الله على هذه الألفة المنتظمة والمحبة الصادقة المكرمة. والمجلس العالي الملك الأجل أعلى الله قدره ونشر بالخير ذكره أولى من أهدى المسرات بورود المراسم والحاجات ووصل الأنس بكريم المكاتبات مضمنة السوانح والمهمات. فأما ما ذكره المقام العالي السلطاني الملكي الكاملي الناصري - زاده الله شرفاً وعلواً - من أنه لا فـرق بيـن المملكتيـن فهـذا هـو المعتقـد فـي صـدق عهـده وخالـص وده ولا زال ملكـه عاليـاً وشرفه نامياً إن شاء الله تعالى.
|